En | Ar

أوروبا نحو النقل النظيف: مستقبل السيارات غير الكهربائية

تشهد القارة الأوروبية تحوّلًاً جذريًّا في سياساتها البيئية عنوانه "الانتقال نحو نقلٍ نظيف منخفض الانبعاثات". وفي هذا الإطار، برزت خلال السنوات الأخيرة تشريعات جديدة تهدف إلى الحدّ من استخدام السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، أبرزها فرض ضرائب ورسوم مرتفعة على المركبات غير الكهربائية. ما يشكّل خطوة يعُدّها الكثيرون منعطفًا حاسمًا  في تاريخ السياسات المناخية الأوروبية.

تأتي هذه القوانين على خلفية إدراكٍ متزايد بأنّ قطاع النقل يُعـدّ من أكبر مصادر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي. وتشير البيانات الأوروبية إلى أنّ السيارات الخاصة وحدها مسؤولة عن نسبة معتبرة من التلوث الهوائي في المدن الكبرى، وما يرافقه من تأثيرات خطيرة على المناخ وجودة الهواء والصحة العامة. ومن هنا، ظهرت الحاجة إلى مزيجٍٍ من الإجراءات التحفيزية والردعية، لدفع المستهلكين والشركات نحو اعتماد السيارات الكهربائية أو الهجينة القابلة للشحن.

لا يقتصر هدف القانون الأوروبي الجديد على خفض عدد المركبات العاملة على الديزل أو البنزين وحسب، بل يسعى أيضًا إلى إعادة تشكيل السوق الصناعية. فالضرائب الكبيرة المفروضة على السيارات غير الكهربائية تهدف إلى جعل خيار الوقود الأحفوري أقل جاذبية اقتصاديًا، مقارنةً مع البدائل الخضراء. كما تـدعمها سياسات مرافقة تشمل إعفاءات ضريبية لمشتري السيارات الكهربائية، وتمويلات لبناء محطات الشحن، وتشجيع الأبحاث في مجال البطاريات وتخزين الطاقة.

غير أنّ هذه السياسات أثارت نقاشًا واسعًا في أوروبا وخارجها، يرى المؤيّدون فيها خطوةً ضروريةً لبلوغ أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، معتبرين أنّ الانتقال الطاقي لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال تغيير جذري في قطاع النقل. ويؤكدون أيضًا أنّ التأخر في اتخاذ قرارات قوية سيؤدي إلى تفاقم أضرار التغيّر المناخي وما يحمله من ارتفاع في درجات الحرارة، وحرائق غابات، وفيضانات، وكوارث طبيعية متكررة.

في المقابل، يرى المنتقدون أنّ فرض ضرائب مرتفعة على السيارات غير الكهربائية قد يشكّل عبئًا ماليًّا كبيرًا على الفئات ذات الدخل المحدود، وخصوصًا في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل أساسي على النقل الفردي. ويخشى البعض الاضطرابات الاقتصادية التي قد يسبّبها هذا الانتقال السريع في قطاع تصنيع السيارات التقليدية، مع ما يترتب عليه من فقدان وظائف وإعادة هيكلة واسعة في أسوق العمل الأوروبية. ولهذا يدعو خبراء الاقتصاد والبيئة إلى اعتماد انتقال تدريجي ومتوازن يراعي الأبعاد الاجتماعية من دون التفريط بالأهداف البيئية.

ومن جهة أخرى، يشكّل هذا التوجه الأوروبي نموذجًا عالميًّا، قد تُقلده دول عديدة، خاصة تلك التي تسعى إلى تقليل بصمتها الكربونية. ومع انتشار السيارات الكهربائية وزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، قد يصبح العالم خلال العقد القادم أقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري، وأكثر قدرةً على مواجهة أزمة المناخ التي تزداد حدّتها عامًا بعد عامٍ.

ختامًا، يجسّد القانون الأوروبي الجديد الرؤيةَ المستقبلية للقارة: مستقبلٌ يتصدر فيه النقل المستدام والتكنولوجيا النظيفة أولويات السياسات العامة. ومع أنّ الطريق نحو التحوّل الأخضر قد يكون طويلًا ومعقدًا، فإن الخطوات الجريئة مثل هذه تمثّل نقطة انطلاق أساسية نحو بيئةٍ أنقى ومدنٍ أكثر صحةً وأمـانًا للأجيال القادمة.

PARTAGER