En | Ar

سيّدة المجد والإباء

كان القدر متّكئًا على حافّة الصّدف حين وُلدَتْ...

هناكَ على شاطئ منفيّ، بلّل الخالق ريشته بمحبرة المعجزات، فخطّ الشّفق على الأفق، وكحّل الغيم بالدّيجور، ففاضت السّماء دمعًا سخيًّا.

من رحمها، انطلق الحرف في زورق العالميّة، كمن أفلت عصفورًا من سلاسل الجهل، وقُطع خشب الأرز لينقش معابد الآلهة في ذاكرة الأكوان. وهكذا، كانت امرأةٌ أشبه بلؤلؤة ضائعة في هدير اللّجج، باكورة الأناشيد وانبثاق فجر التّاريخ. من ثوبها اللّيلكيّ، استفاق الياسمين من سكرة الغسق، ومن جنّة عدنٍ، هطلت قطرة ندًى على جبهة الأرض، ففاض السّنا من طيّات الزّمان.

  لها صوت يدندنُ على أرصفة الخريف، فينبتُ القمحُ من الفيروز ويعصف الزّمهرير من لبب الورد. وقبل أن تسكن الكلمة ضفاف الشّفاه، وقبل أن يسكب الخمر في جرار قانا، كانت هي، تسير مسيرة النّضال لترفع الانسانيّة من درك التّعصّب ووحول البغضاء إلى قمم المُثل والقيم.

  وبينما تتأرجح الأيّام بين اليوم والأمس، تراها سارحة في قلعة التّراث وفي يديها صولجان من أعمدة بعلبكّ، ومن ثوبها تُجرّ الأنهار كأذيال من الياسمين. وشاحها نسيم الصّباح، يلفّ شعرها المنسوج بالثّلج، المحيّك بالصّنوبر، والمزيّن بالغار والزّيتون. وها هو صدى الأجداد في زوايا قلبها يرتطم، فيفيض النّبيذ من الكروم، ويُسكب الشّعر في كئاس الفنّ.

 هي امرأةُ تتربّع على عرش الزّمان، مجبولة ببخّور عذب وعنبر فوّاح، واسمها لبنان...

عاصمة الحضارة هي، وملتقى أوتار العود الرّنّان.

قيثارة كانت في العلياء، قبل أن تتدفّق ألحانها مطرًا على أرضنا العطشى.

على ضلوعها بُنيت مدن العهد القديم، وسيّجت عناقيد السّلام ساحات معاركها.

إنّها لبنان، أوّل من كتب الألف وآخر من سيخطّ الياء.

PARTAGER