
هوية ضائعة.
ثقافة مخترقة.
تراث مهدد.
من نحن اليوم؟
هل ما زلنا أبناء تلك الثقافة التي كانت تجمعنا في الأمس؟ أم أننا تخلينا عنها عندما ظهرت أمامنا نبذة عما يحمله لنا الغد؟
هل ما زلنا أهل العادات والتقاليد المتوارثة أم أننا أول من نبذها عندما تعالت أصداء الحداثة والتطور؟
مشاعر مختلطة.
هل يستطيع أحد منا نكران فضل عصر الحداثة علينا؟ أليس هذا العصر هو الذي سهّل علينا التواصل والعلم والترابط بالعالم؟ أليست السهولة والسرعة والحداثة حصيدة ما طمح إليه الإنسان لعقود وقرون؟
لا يمكننا أن نكون جاحدين للنعمة التي ننعم بها اليوم، فبكبسة زر واحدة يمكننا الوصول إلى موسوعات كبيرة تساعدنا في دراستنا أو عملنا عند الحاجة، أو نتصل عبر خاصية مكالمة الفيديو بقريب أو صديق يعيش في الجانب الآخر من الكوكب.
تُعرض على الشاشة أمامنا معلومات وصور وفيديوهات واحدة تلو الأخرى في غضون ثوانٍ فقط. ما علينا سوى أن نطلب ونتمنى.
وينفتح أمامنا عالم كبير، وكمّ هائل من الأفكار والآراء التي قد نوافقها أو نعارضها. نفرح بدايةً عند رؤية ما وصل إليه الإنسان من تقدم إلى حين نبدأ بالشعور أننا في وسط عالم تخلى عن أبسط المبادئ ظنًا من أنه يواكب صيحة الحداثة، وأننا تحت غزو فكري يُقع مليارات الأشخاص ضحيته يوميًا وهم غافلون.
فترى مثلًا من ينظر نظرة دونية إلى اللغة العربية، لغته الأم، ويرى أنّ التقدم يعني التحدث بلغة أجنبية غير لغته، حتى أنه قد يشعر بالاستصغار تجاه هويته العربية ويسمح لنفسه ألا يورثها إلى أطفاله.
كذلك في عالم الموسيقى والأغاني، أين هو من الرقي والطرب؟ ولماذا تحمل بعض الأغاني كلمات ومعانٍ لا تشبه موروثنا الغنائي الثقافي، أين نحن من فيروز وعاصي الرحباني ووديع الصافي وغيرهم من عمالقة الفن؟ من هم أولئك أشباه الفنانين ذوي المستوى المتدني على صعيد الكلمات والألحان؟ من وراء هؤلاء؟ من يريد تغيير موروثنا الثقافي وتغيير قدواتنا من كل النواحي، على صعيد العلم والفن والعادات والتقاليد؟ من يريد إدخال الشعوب في عصر التفاهة؟
قد تتساءلون ما معنى عصر التفاهة؟ معناه جعل التافه قدوةً، وتكبيره في نظر الجمهور وإمداده بالمال ليفتن الجيل الجديد ويجعله يتخلى عن قيمه ومبادئه فيتمثل به ويسعى ليحذو حذوه وهو في الحقيقة ليس إلا وهم كبير وشخص فارغ بلا مبادئ ولا قيم ولا حتى موروث ثقافي.
ناهيك عن تطبيقات التواصل الاجتماعي كالإنستغرام والتيك توك التي ساهمت في نشر ظاهرة "التقليد الأعمى"، الكارثة الكبرى التي حلت على مجتمعنا. فنرى أشخاصًا من مختلف الفئات العمرية يتسابقون لركوب موجة "الترند" من دون أي مراعاة لما يصح وما لا يصح. كما أنه من المؤسف أن نشهد تلاشي مبدأ "الخصوصية"، إذ أصبحت حياة الأزواج اليومية منشورة بأدق تفاصيلها على مرأى ومسمع الجميع، ناسفين بذلك تقاليدنا وعاداتنا، مقابل حفنة من المال. والأفظع هو استخدام الأطفال لهذه التطبيقات من دون رقابة الأهل، فأي قيم ومبادئ سيتعلمون؟ وأي ثقافة سيكتسبها الجيل الجديد؟
في الختام، إن هذه التساؤلات ليست تجييشًا على معارضة الحداثة والتطور والتكنولوجيا لكنها تضع تحت المجهر الاستعمال الخاطئ لهذه التطبيقات بما يسيء لثقافتنا، وموروثاتنا، وآدابنا العامة كشعوب عربية.
فالحداثة والتطور لا يتعارضان مع الثقافات العامة للشعوب إذا أجدنا استعمال التكنولوجيا ووضعناها في نصابها ومع ناسها. لنواجه معًا كل من يريد نسف موروثاتنا وتسفيه عقولنا وتغيير عاداتنا من خلال مقاطعة ف الفيديوهات المضرة والعمل على إغلاق القنوات والحسابات التي تنشر التفاهات.
إرثنا، ثقافتنا، فلنحييها ما حيينا...