من منّا لا ينتظر الأعياد والمناسبات ليتناول ما لذّ وطاب من أشهى الحلويّات اللبنانية؟ ومن منّا لم يعلق في ذاكرته مذاق "المعمول مد بالقشطة" و"العثمليّة" و"المعكرون"؟ لن أطيل الحديث عن هذه الحلويّات اللّذيذة التي يتميز بها المطبخ اللبناني، ذاك المطبخ الغني عن التعريف، الذي يبلغ صيته معظم بقاع العالم.
بالمناسبة، هل سبق وسمعتم عن طبق "المفتقة"؟ لا بأس إن كان جوابكم "لا"، فالمفتقة حلوى خاصة بأهل بيروت، وقد تجهلها بعض المناطق اللبنانية.
فما هي المفتقة؟
هي حلوى تراثيّة شهيرة ورمز من رموز الهوية البيروتية. يُقال إنّ هذا الطبق ذو أصل تاريخي يعود إلى الفترة العثمانية. وقد اعتاد أهل العاصمة إعداد هذا الطبق بمناسبة "أربعاء أيّوب"، وهو احتفال يصادف آخر أربعاء من شهر نيسان/أبريل من كل عام، وهو ظاهرة شعبية انفردت بها بيروت مع المفتقة دون سائر المدن اللبنانية والعربية. وكانت السيدات تقود العائلات البيروتية من مناطق رأس بيروت والحمراء وعائشة بكار والبسطة وطريق الجديدة في تظاهرة حاشدة إلى الرملة البيضاء بمناسبة هذه الذكرى العظيمة. ويُروى أنّ كل عائلة كانت تمكث في عرزال (خيمة) من قصب، وتنام فيها، وفي اليوم التالي تعدّ المفتّقة، وتتنافس الأُسَر على تحضير الألذ طعمًا. استمرّ هذا التقليد حتى الستينات من القرن الماضي لكن بقي هذا الطبق عادة متجذرة لا تتجزأ من عادات البيارتة.
ارتبطت هذه الحلوى بذكرى "أربعاء أيوب" لأنها ترمز إلى صبر النبي أيوب، الذي تحمّل سنوات طويلة من المرض والمعاناة. ولُقّبت بحلوى "صبر أيوب"، وذلك لأن تحضيرها يتطلّب صبرًا وجهدًا كبيرين، إذ يجب تحريكها بشكل متواصل لوقت طويل.
مكوّناتها ليست بكثيرة، فهي تُحضّر من طحينة السمسم والأرز المصري والسكّر والكركم (العقدة الصفراء). قد يتشارك في تحضيرها أكثر من شخصين. ويُمزج هذا الخليط الدّسم ويُحرّك لمدة لا تقلّ عن ثلاث أو أربع ساعات، في انتظار أن "يفتق سارج القدر"، أي أن يطفو زيت الطّحينة، مغلّفًا كتلة المفتقة.
ويكمن السر وراء المذاق اللذيذ في جودة الأرز المصري وطحينة السمسم الأصليّة وبالطبع، في التحريك المتواصل بلا انقطاع على نار خفيفة لنحصل على "مفتقة بتعلُك”
إليكم طريقة تحضيرها:
لإعداد المفتقة البيروتية، نحتاج كيلو من طحينة السمسم، 5 أكواب من الأرز المصري (يُنقع مسبقًا لمدة 12 ساعة على الأقل) و14 كوبًا من الماء و4 أكواب من السكر و14 ملعقة من الكركم (العقدة الصفراء).
أولًا، نضع الأرز بعد تصفيته في قدر على النار ونضيف له الماء والكركم حتى يستوي الأرز تمامًا ويتشرب الماء. ثم نضيف الطحينة والسكر ونستمر بالتحريك حتى يطفو السارج على وجه الخليط.
وتُزَيّن المفتقة بالصنوبر ثم تُسكب في الصحون.
وإن كنتم لا تملكون القدرة على إعدادها، لما تحتاجه من وقت طويل وسواعد قوية، يمكنكم أن تقصدوا بيت المفتقة البيروتية، "حلويات المكاري" الشهير، الواقع في شارع بربور الرئيسي. وقد اختصّت عائلة المكاري في تحضير المفتقة على مدى عقود، وحرصت على أن تتناقل الأجيال هذا الطبق التقليدي الشهي. يقصد الناس "حلويات المكاري" من كل مكان، لا سيّما المغتربون الذين يتشوقون إلى تناول هذه الحلوى اللذيذة.
سارعوا إلى تذوق المفتقة، ولن تندموا! صحتين سلفًا!