En | Ar

صوتي ليس حقيبة سفر

مع الانتخابات البلدية الأخيرة، سألني أجنبيٌّ بنبرةٍ فيها شيءٌ من الاستغراب: "ما الجدوى من التصويت؟ ولماذا لا تفكرون بالرحيل والسعي إلى عيشٍ أفضل؟"
فأجبته، لا من باب الجدال، بل من عمقِ الانتماء، ومن صدى الأرضِ التي تنبضُ في داخلي، وقلتُ له:

في وطني وبين محميات أرزهِ الشوفيةِ ترعرعتُ
من مياهِ صنينَ ارتويتُ ومن نسيجِ بسوسَ اكتسيتُ
وكلما أردتُ أن أتذكّرَ معنى الشهادةِ والوفاءِ، صوبَ الجنوبِ ذهبتُ
وإذا جاءني ضيفٌ كرّمته، وإلى الشمالِ أخذتُهُ
وفي ليلةٍ اجتاحني فيها المللُ، ففي بيروتَ وتحتَ نجومِها سهرتُ
فيا أيها الغريبُ الذي جئتَ لتشتّتَ تعلّقي بخضارِ بلدي وسهولِه الشاسعةِ التي تتوّجُ بقاعَه
لا تجرّبني بانتمائي المؤبّدِ لوطني، فأنا كجذورِ الأرزِ عمقًا في حبّهِ
أما يا وطني لبنان فلك أقولُ التالي :
أنتَ الذي الحربُ والمآسي بأجمعها غمرتكَ، ولكن بفضلِ شموخِ شعبِكَ الجبّارِ انتصرتَ
واجهتَ الخيانةَ وفظائعَ العدوانِ، فأصبحتَ للشجاعةِ والعزِّ عنوانَ
فيا وطني، كيفَ لي أن أهجُرَكَ وأنتَ مغروسٌ في أعماقِ قلوبِنا؟
عهدٌ عليّ وعلى كلِّ الأجيالِ الصاعدةِ ألّا نتخلّى عنكَ، وأن نرصّعَ اسمكَ في العُلا أينما كنّا

فصوتي لبلدي ليس مجرّدَ ورقةٍ تُلقى في صندوق، بل هو تأكيدٌ على أني لا زلتُ أؤمن، وأحلم، وأبني.
هو وعدٌ بألّا أكون شاهدةً على الألم فقط، بل فاعلةً في التغيير.
فلبنان، رغم الجراح، يستحقّ أن نحميه بأصواتنا قبل أن نبحث عنه في الغياب.

فلأنّ خُضرة بلادي، وبهاء أزهارها في الربيع، ودفء شمسها في الصيف، وثلوجها البيضاء الهادئة في الشتاء،
ولأنّ كلّ مشهدٍ ساحرٍ في وطني لا يُمكن أن يُرى من نافذة طائرة،
سأبقى هنا، وسأُسهم في تعزيز وطني،من خلال انتخاب بلديةٍ تقود بلادي نحو قمّة الكمال،
فوطني جنةُ الأوطان،
ومهما جُلتُ في المعمورة، لن يُدهشني مشهدٌ أعظم من صفاء شعب وطني، وإرادته الصلبة في البقاء، ورفضه للاستسلام،
فمن المستحيل أن ترى لبنانيًّا، وفي قلبه مشاعر سوى القوّة، والشجاعة، والإيمان بالصعود نحو أبهى حللٍ لأجمل وطن: لبنان.

PARTAGER