En | Ar

اقترن خطاب حقوق الإنسان بفكرة النضال, ومواجهة كلّ مظاهر الظلم والاستبداد, فاختار حروفه للدّفاع عن حقوق النّاس, وكرّسها لحماية البشريّة من أساليب الاضطهاد والتّعسف. لذلك فقد شغَلت قضيّة حقوق الإنسان حيّزاً مهمّاً من الإشكاليات الثقافيّة والفكريّة, وأضحت معياراً لقياس مدى تطوّر الدّول والشّعوب في العالم. عرّفها جابرال الروي بأنّها: " الحقوق الّتي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الانسانيّة في مختلف المجالات السيّاسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة." ولكن هل حصدت المجتمعات ما زرعته من إنسانية وتحرّر؟ أم يبست المحاصيل فتكوّنت مجاعة فكريّة قاحلة؟

رغم الثناء الديبلوماسي لبلدان عدّة على الجهود الّتي وصل اليها لبنان في نطاق حقوق االإنسان اعتبرت بعضها أنّ هذه الجهود غير كافية. فلا تزال السلطات اللّبنانيّة تتستّر على انتهاكاتها الفادحة لهذه المفاهيم, وصولاً لعدم الاعتراف بها. لطالما كان لبنان منارة الشّرق, وصرحاً لمختلف الحوارات والنّقاشات, ورايةً للتّقدم والتطوّر. فكان جنّة بناسه ومختلف تعدّداته الدينيّة والفكريّة. أمام مختلف الأزمات السيّاسيّة والاقتصاديّة, لم يعد لبناننا سويسرا الشّرق, فبات ساحة للنزاعات والالتحامات. بالإضافة إلى نخر الفساد أنظمة الدّولة, الّتي سعت الى انتهاك مفاهيم حقوق الانسان وحرمان اللّبنانيين من أبسط حقوقهم.

مع حلول الأزمة الاقتصاديّة الخانقة, تضغضغتِ البنية الاجتماعية فيه, فحقّ الإنسان في مستوى معيشيّ لائق صار فكرة يصعب الحصول عليها, ولا سيّما بعد انحسار الطبقة الوسطى وحجز المصارف لأموال المودعين, فكانت عمليّات اقتحام المصارف من قِبل النّاس, أسلوب لاسترجاع جزءاً منها. حتّى إنّ الحلول الرّنّانة الّتي تباهت فيها الدّولة, عجزت عن تحقيقها.

في غياب أيّة جهود ملموسة لحماية المرأة اللّبنانيّة والدّفاع عن حقوقها, ازدادت حالات العنف الأسريّ والتّحرّش. بالرغم من اقرار عدّة قوانين لتجريم الاغتصاب والتحرّش, لا تزال النساء يخضن معاركهنّ بمفردهنّ لمواجهة العنف ضدهنّ, بالتعاون مع مختلف الجمعيّات المدنيّة. نضف الى ذلك, حرمان الأم من منح جنسيتها لأبنائها, وعدم المساواة بينها وبين الرّجل في ما يتعلّق بالزّواج والطّلاق والحضانة…

نالت حرّيتي التعبير والتجمّع القسم الأكبر من حيث الضغوطات والانتهاكات. فلبنان جبران, وميخائيل, وسعيد عقل قد جرّدته النعرات الطائفيّة والسياسيّة, فبرزت الاعتداءات على النّاشطين والكتّاب وتلاشت الموضوعيّة والحقيقة, بعد أن سيطرت الأحزاب السّياسيّة على سائر الاذاعات والمحطّات فصارت كلّ واحدة تنقل ما يصبّ لمصلحتها. حتّى عندما أرادت شريحة من النّاس التعبير عن رأيها بالتّظاهر, انهالت عليها محاولات القمع والملاحقات, فجرى توقيف العديد منهم باستخدام القوّة المفرطة.

هل تعلمون أنّ لبنان لعب دوراّ كبيراً في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال ممثله شارل حبيب مالك. ففي خضم النقاش حول مبادئه والتنازع بين أولوية المجتمع أو الإنسان, كان لمالك رأيه فهو كان يؤمن أن "الفكر والوعي هما أكثر عناصر الإنسان قدسية، والأكثر تعرّضاً للانتهاك، فالمجموعة يمكن أن تخطئ بقدر ما يخطئ الإنسان، وفي أيّة حال، فإنّ الإنسان هو الوحيد القادر على الحكم." أمام هذا التّناقض القائم بين, لبنان الفاعل والمؤثّر في القرارات الدّولية والعالميّة, ولبنان اليوم الذي انتهك وحرّف تلك القيّم, وصل بنا الحال إلى مستنقع الانحطاط والرّكود. فقضاته هم مجرموه, وحكّامه هم سارقوه.

إذا كان مالك قد حارب لحصول النساء على حقوقهن، فإن لبناننا لا يزال يعاني من النظام الأبويّ الذي رفضه شارل في الأمم المتحدة، واذا دخلنا التّاريخ من بوّابة االإنسانية فلماذا نعود بأجيالنا إلى قعر المحيط وننسى ما كتبناه من البداية. اللّبنانيون محرومون من أبسط حقوقهم, ويصعب على الجميع الحصول عليها. من هنا نأمل أن نعود إلى سابق عهدنا, وأن يعي الجميع أنّه كما كُرِّست تلك الحقوق لتحسين وحماية حياتنا, يجب تطبيقها وتنفيذ ما يتوجّب علينا من واجبات تجاه الآخرين.

PARTAGER