En | Ar

بين الحرب والعلم: رحلة طالب لبناني

لبنان، وطنٌ تزيّنه الطبيعة، ولكنه مثقل بجراح الحرب. في بلدٍ عاش صراعًا دام فوق الشهرين، وجدنا نحن، طلابه، أنفسنا في اختبارٍ لم يكن أكاديميًا فقط، بل وجوديًا. كيف يمكن لشباب  في مقتبل العمر أن يوازنوا بين أحلامهم الدراسية وواقع مجهول يتهاوى؟ 

 

في ظلّ الحرب، كانت الدراسة تحدّيًا مضاعفًا. لم تكن القاعات الدراسية مكانًا ثابتًا لنا؛ فالتعليم أصبح هجينًا بين الحضور الشخصي والتعلّم عن بُعد. حين كانت الطرق غير آمنة، لجأنا إلى شاشاتنا، نحاول متابعة المحاضرات رغم الانقطاعات المتكرّرة في الكهرباء والانترنت. أما عندما سنحت لنا فرصة الحضور إلى الجامعة، كان الأمر شبيهًا بمغامرةٍ محفوفة بالمخاطر والتوتّر. 

 

رغم ذلك، كانت الجامعة لنا واحة أمل. بذل الأساتذة قصارى جهدهم لاستمرار العملية التعليمية، مقدّمين دعمًا أكاديميًا ونفسيًا في الوقت عينه . كنّا نحمل معنا حواسيبنا، وهمومنا اليومية، ونحاول أن نخلق روتينًا جديدًا وسط الفوضى. المحاضرات التي تلقّيناها، سواء حضوريًا أو عبر الإنترنت، لم تكن مجرّد دروس أكاديمية، بل دروسًا في المرونة والصمود. 

 

كنا نتحدّى انقطاع الإنترنت ونبحث عن مصادر المعرفة بأي وسيلة ممكنة. حتى حين كانت الظروف صعبة، كانت روح التعاون بيننا كطلاب تلعب دورًا كبيرًا. كنا نساعد بعضنا البعض، سواء عبر مجموعات الدراسة الافتراضية أو في لقاءاتنا القليلة داخل الحرم الجامعي. 

 

تعلّمنا أن التحديات ليست نهاية الطريق، بل بداية لمعركة مع الذات. تلك اللحظات التي كنا ندرس فيها ونعتمد على الإنترنت الضعيف لاستكمال محاضرة، علّمتنا معنى الإصرار الحقيقي. كل حرف كتبناه كان إعلانًا عن رفضنا الاستسلام، وكل نجاح حقّقناه كان إثباتًا أن الإرادة هي السلاح الأقوى. 

 

نحن جيل عاش الحرب والتأقلم، لكنه اختار ألا يدعها تحدد مصيره. اخترنا أن نحلم، أن نصنع من الركام فرصةً جديدة. 

 

لبنان ليس فقط بلد الأزمات، بل هو بلد الشباب الطموح. نحن هنا لنقول إن الحرب ليست النهاية، بل هي بداية لإعادة بناء الذات والوطن. وفي كل تحدٍ نواجهه، نجد سببًا جديدًا للاستمرار.

كطائر الفينيق الذي ينهض من الرماد، ننهض نحن من أوجاعنا، نحمل بين أيدينا رماد الأمس ونبني به غدًا مليئًا بالأمل والإصرار.

PARTAGER