إرث تاريخي ممزوج بأرقى الفنون، كلمات أقل ما يمكن قولها لوصف متحفٍ يروي حكايات الماضي، من حضاراتٍ مرت على أرض لبنان تركت بصماتها في فنون النحت والرسم بأبهى الحلل: هو المتحف الوطني في بيروت. واجهةُ الزيارة الأمثل في لبنان التي تستطيع اهداء الزائر نظرةً شاملة عن تاريخ الوطن.
متحف بيروت الوطني هو المتحف الأثري الرئيسي في لبنان يقع في شارع دمشق في بيروت. في عام 1923، تم تشكيل لجنة مسؤولة عن جمع الأموال لبناء المتحف.
تولى المهندس المعماري أنطوان نحاس والمعماري الفرنسي بيير إميل لوبرينس-رينجيه مسؤولية بناء هذا المتحف على شكل مبنى ضخم على الطراز الهلنستي. في عام 1937، أعلن الأمير موريس شهاب أن المتحف الوطني جاهز وأنه سيجمع من الآن فصاعدا كل الآثار الموجودة على الأراضي اللبنانية. إلا أن هذا المتحف لم يفتتح رسمياً إلا عام 1942 على يد رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك السيد ألفريد النقاش، وبقيت أبوابه مفتوحة حتى عام 1975.
ولسوء الحظ، تعرض المتحف لأضرار جسيمة خلال الحرب الأهلية من عام 1975 إلى عام 1990. وكان أيضا ضحية للنهب والسرقة. ولهذا قامت المديرية العامة للآثار بإخفاء الأعمال الفنية في الطابق السفلي، حفاظاً على سلامتها. لكن هذه الكنوز المخفية تآكلت وتدهورت جزئيا. ثم تولى فريق عمل ترميم المتحف للحفاظ على كنوزه. في عام 1999 افتتح الطابق الأرضي الذي يحتوي على قطع مختارة انتقائياً وتمثل فترات تتراوح من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر المملوكي.
نجمة المتحف الموجودة في الطابق الأرضي تتجلى بناووس الملك أحيرام، ملك جبيل. تكمن اهمية هذا الناووس في التاريخ على احتوائه أحرف الأبجدية الفينيقية، وهي أول أبجدية ترتكز على مبدأ كتابة الصوت.
في نظرة سريعة على الحقبات المختلفة وعلى ما تركت من آثار، يعود تاريخ أقدم القطع التي وجدت في لبنان إلى عصور ما قبل التاريخ. شفرات الصوان المستخدمة في الصيد، وخطافات الصيد النحاسية التي يعود تاريخها إلى 4000 قبل الميلاد. وكذلك المخض لإعداد الزبدة والجرار الجنائزية هي العناصر الرئيسية المتبقية من تلك الحقبة. أما عن آثار الحقبة البرونزية، فحجر الأساس لمعبد كامد اللوز ومجوهرات من المقابر الملكية في جبيل تعدُ من اهم التحف المعروضة في المتحف.
في الطابق الأول من المبنى قماشةٌ مصبوغة بلون الأرجوان. اكتشف الفينيقيون كيفية استخراج هذا اللون من نوع من الصدف. آلاف الصدفات كانت بالكاد تكفي لإنتاج غرام واحد من الصبغة، مما جعل من الأرجوان لون الأثرياء والملوك على مدى قرون من الزمن. من بقايا فترت الهلنستية منبر رخامي يعود تاريخه إلى عام 350 قبل الميلاد عثر عليه عند سفح معبد الإله أشمون مما يوضح الطريق الذي كان يُحتفل بعيد هذا الإله.
للحضارة الرومانية آثارٌ تضاف إلى سجلات سابقاتها، ولكن القصة بين زيوس وابنة ملك صور تتجلى في فسيفساء مميزة. فإنها تصور اختطاف "أوروبا" ابنة ملك صور على يد زيوس. ومن أجل إغرائها، حوّل نفسه إلى ثور وأخذها إلى جزيرة كريت وسُمّيَت القارة نسبةً إلى اسمها. هذه الفسيفساء موجودة في الطابق الأرضي للمتحف.
إرث الحقبة البيزنطية واضحٌ عند مدخل المتحف. فتظهر فسيفساء كاليوب والحكماء السبعة. يضاف إلى هذا الإرث الكنوز المكتشفة في وسط العاصمة.
أما عن حقبة المماليك، فمن أجمل ما بقي المجوهرات المزخرفة الموضوعة للعرض في زجاج الطابق الأول.
الحفاظ على التراث الثقافي أمر بالغ الأهمية لتطوير المجتمعات. فالتراث جزء لا يتجزأ من الهوية الحضارية والتاريخ العريق، إن التراث يغني الثقافة ويجعلها أكثر تنوعًا، ويساعد على فهم القيم والتقاليد ولذلك يجب حماية هذا الإرث الثمين والمحافظة عليه لكي يتم الارتقاء والبناء لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.
لتنجح في المستقبل عليك معرفة التاريخ، لتتعلم من أسلافك ما الصواب. التأمل في المتحف ليس تأملاً عابراً لجمال اللوحة فحسب، بل إن اللوحة الفنية تتكلم بلسان من صنعها: تعيد إلى ذاكرة الشعوب عِبراً وحكم.