En | Ar

الحركة الصهيونية واستغلال الدين : الانتقال من العلمانية الى اليمين القومي الديني المتطرف؟

إن كُنت مُطلعًا على القضية الفلسطينية ولو أبسط إطلاع ستُلاحظ أن الإسرائيليين يستخدمون، لتبرير استيلائهم على الأراضي الفلسطينية، إحدى الحجج البسيطة التي استخدمت حتى قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية. ركيزة ذريعتهم دينيّة باعتبارهم الأرض هذه ارض الميعاد أي الأرض التي وعد الله فيها اليهود. ولكن ماذا إن قلنا لك أن الصهيونية ومؤسسيها لم يكترثوا للدين اليهودي يوماً على عكس ما نراه اليوم مع حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة يهودياً والتي يعتبرها الكثيرون  الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان المزعوم

مع حركة الهاسكالا التنويرية كانت البداية، وهي حركة يهودية أوروبية هيأت لظهور الصهيونية. كان الهدف الأساسي لهذه الحركة تنمية الوعي اليهودي حول أهمية الإنخراط والإندماج في الأوطان الأوروبية ليصبح اليهود مواطنين متساوين في هذه الدول مع غيرهم من المؤمنين بديانات أخرى مشاركين في الحياة العامة. عارضت الهاسكالا العديد من الأمور الدينية. فعلى سبيل المثال للحصر  اعتبرت الحركة أن التوراة صناعةً إنسانية لا إلهية. ولا يجبر احد  على إتباع تعاليم هذا الكتاب بالكامل. كما أن أعضاء الهاسكالا  أنكروا بدورهم  وجود حياة الآخرة أو مسيحٌ قادم، إضافةً إلى العديد من الإصلاحات الدينية الذين دعوا إليها. فشل مشروع الحركة  خصوصاً خلال صعود الاضطهاد المعادي للسامية في أوروبا في القرن التاسع عشر. كما إن إتُهام الضابط الفرنسي اليهودي دريفوس ظلما بالعمالة وتوقيع عقوبات قاسية عليه أدى إلى ظهور الحركة التي نعرفها جميعا اليوم، الصهيونية على يد تيودورهرتزل

تيودور هرتزل المعروف بلقب «الأب الروحي للصهيونية» وبحسب الكثير من المؤرخين كان مُلحداً كارهاً للحاخامات والأساطير الدينية اليهودية ولم يتكلم العبرية ولا حتى اليديشية، لغة يهود أوروبا. كما أن حركته كانت تتعرض للاعتراض من قبل عدد كبير من اليهود الأرثوذكس والحسيديين: أولئك الذين كانوا ينتظرون مجيء المسيح ليؤسسوا بعدها إسرائيل.  نظر المتدينون  بعين الريبة إلى الصهاينة العلمانيين وغير المتدينين الذين يحاولون أن يفعلوا الشيء نفسه وبناء إسرائيل. لإقناعهم بفكرته اختار هرتزل ومن بعده المؤتمر الصهيوني الأول،الذي عُقد في مدينة باسل السويسرية عام ۱٨۹۷، أرض فلسطين الدولة التي سيقام بها وطن اليهود بدلاً من دول مطروحة أخرى كأوغندا والأرجنتين، وكان ذلك كافياً لإعطاء الصهيونية شرعية دينية وتاريخية على أنها ستخلص اليهود من الظلم والخذلان وتجمعهم بعد شتاتهم في دولةٍ واحدة، دولة الأجداد

وفي ۱۹٤٨، ومع النكبة وإعلان قيام دولة الاحتلال، كان الحكم بيد الصهاينة العلمانيين دون منازع. أمثال ديفيد بين غوريون غولدا مائير وإسحاق رابين من حزب العمال اليساري حكموا إسرائيل لأول عقدين من وجودها. سرعان ما فهمت هذه الشلة أهمية إرضاء التيارات الدينية،  فظهرت العادات اليهودية أيام حكم غوريون كطعام "الكوشر" وقدسية يوم السبت وغيرهم

جاء الحدث الأبرز الذي سيغير وجه إسرائيل السياسي.  ادّت حرب ۱٩٦٧ ونكسة  العرب فيها  إلى تصاعد اليمين المتطرف الديني إلى المشهد السياسي الإسرائيلي. فاعتبر الإسرائيليون هزيمة العرب بمثابة معجزة ربانية تترجم تأييد الرب لإسرائيل وحمايته. وبذلك اعتبر الشباب الإسرائيلي نفسه أنه جند الله المكلف بالدفاع عن الأرض والمقدسات لأنه يعتبر نفسه شعب الله المختار. ومنذ ذلك الوقت واليمين القومي الديني عضوٌ دائم في المشهد السياسي الصهيوني حتى سيطر عليه تماماً منذ ٢٠١٥ حتى حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة التي لُقِبت بالحكومة اليمينية الأشد تطرفاً بتاريخ الاحتلال والتي كانت ستجره إلى حربٍ أهلية بين متدينين وعلمانيين. الحائزون على ارفع المناصب في حكومة نتنياهو هم متطرفون لعل أشهرهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلإيل سموتريش 

مع الإخفاقات جيش الاحتلال العسكرية وحكومات نتنياهو اليمينية و الاعتداءات العنيفة على غزة ولبنان، مروراً بعملية  طوفان الأقصى اضافةً إلى قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو الذي مازال يحاول حماية نقسه عبر مجموعة قرارات, آخرها تقليص صلاحيات المحكمة العليا وإعادة هيكلة الجهاز القضائي:  يتساءل البعض هل سيؤدي كل ذلك مع المجزرة الحالية في غزة إلى انقسام عنيف في الشارع الاسرائيلي وزعزعة الأمن حتى الانهيار ؟

PARTAGER