En | Ar

القديسة بربارة: قصة إيمان وعطاء تتجسد في الاحتفال

تعتبر القديسة بربارة من قديسات العصور المسيحية المبكرة. عاشت في القرن الثالث ميلادي وتقول الروايات المسيحية انها ولدت في مدينة نيقوميدية (في تركيا الحالية)، وكانت الابنة الوحيدة لوالدها الوثني المتعصب، أحد كبار الأغنياء الذي اعتنى بابنته وحرص على تعليمها. بدأت مسيرة قداستها عندما اعتنقت الديانة المسيحية بعد لقاءاتها بأستاذ مدرسة الاسكندرية أوريجانس الذي قرأ لها الانجيل وأطلَعَها على الدين المسيحي. فقد سعت للبحث عن الاله الحقيقي والتعرّف على يسوع المسيح، بعد أن عزلها والدها في برج خوفاً عليها، فلم يرغب هذا الأخير بإظهار ابنته للعالم بسبب جمالها وصغر سنّها كما أنه خشيَ أن تتعرّف على الديانة المسيحية. عندما أدرك والدها أنّها تتعلم عن هذه الديانة من مدرّسها داخل البرج، سيطر الغضب عليه، فعذبها وجلدها كما أنّه طلب من الحاكم قطع رأسها. لم تؤثر تصرفاته على إيمان بربارة التي كافحت وهربت واختبأت بين سنابل القمح إلى أن رآها مزارع،فنمّ .عنها وقُبِضَ عليها. رغم عذاباتها تعلق قلبها بقلب السيد المسيح حتى الشهادة بعد كل الآلام التي تعرضت لها

حافظ مسيحيو الشرق على إيمانهم بهذه القديسة، ويحتفل بعيدها في الرابع من شهر كانون الأول حيث تقام تقاليد عديدة في ليلة العيد. منذ زمن طويل، من أجل إحياء ذكراها، كان الصغار والكبار يتنكرون بثياب عتيقة ويغطون اوجههم كما يضع النساء الكحل حول أعينهم لاستذكار ما عاشته القديسة بربارة بينما كانت تهرب من والدها. أما اليوم، فتعدّ فرحة هذا العيد الذي يفتتح زمن الميلاد فرحة الأطفال الذين يتنكرون بما يحلو لهم من أزياء ويتوجهون إلى المنازل وهم يرددون اغنية ''هاشلي بربارة'' للفت انتباه أهلها بهدف الحصول على ضيافة العيد أو بعض النقود. فإذا اتصف أهل البيت بالكرم، يستمر الاطفال بالغناء للتعبير عن شكرهم وفرحهم. من ميزات هذا العيد أيضاً فرح العطاء، فيقوم الأهالي في ساحة القرية بطهي كميات كبيرة من ''الهريسة'' و"القمح'' التي ترمز إلى سنابل القمح حيث احتمت القديسة. توزَّع هذه الأطعمة فيما بعد على بعضهم البعض وعلى الفقراء ليشارك الجميع بفرح العيد. إضافة إلى ذلك، يستقبل العديد من اللبنانيين عيد القديسة بربارة بأنواع مختلفة من الحلويات أبرزها ''القطايف'' و''العويمات'' كما تقوم العائلات في كل منزل بإضاءة شموع وفقاً لعدد أفرادها طالبةً حماية الرّب. يمارس هذا التقليد لأن البعض يعتقد، أن جسد القديسة كان يحرَق باستخدام نار القناديل المشتعلة لكنها كانت تشفى من حروقها كلّ مرّة بقوّة يسوع المسيح.

في هذه السنة وبسبب الأزمات المتتالية التي يعيشها وطننا لبنان والمآسي التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني في غزّة، يأتي هذا العيد في ظلّ عدم قدرة معظم المؤمنين من ممارسة هذه التقاليد كاملة، لكن الشق الروحي منه لا يزال حياً فعلينا التركيز عليه والتّمسك به لنستمد القوّة والصمود من هذه القديسة التي ضحّت من أجل إيمانها والتي تحمّلت العذابات حتّى نيلها الشهادة.

PARTAGER