En | Ar

زيارة البابا إلى لبنان: رسالة سلام

 

جاءت زيارة قداسة البابا إلى لبنان في لحظةٍ كان فيها وطننا بأمسّ الحاجة إلى كلمة رجاء، وإلى حضورٍ يعيد التذكير بمعنى السلام في بلدٍ أنهكته الأزمات. فلبنان، الذي عانى على مرّ العقود من حروبٍ متتالية، وصراعات داخلية، وتوترات مع الدول المجاورة، إضافةً إلى الانهيار الاقتصادي غير المسبوق منذ عام ٢٠١٩، بدا وكأنه يبحث عن نورٍ في عتمة نفقٍ طويل. من هنا، لم تكن زيارة البابا مجرّد حدث ديني، بل شكّلت محطة وطنية وإنسانية عميقة، حملت في ذراعيها  رسالة سلام لكلّ اللبنانيين من دون استثناء.

فالبابا، بصفته رسول السلام والمحبة، أتى إلى لبنان ليصغي، ويصلّي، ويواسي شعباً مجروحًا. وقد تميّزت هذه الزيارة ببرنامج مدروس ومنظّم بدقّة عالية عَكَسَ صورة مشرقة عن لبنان قادر على استقبال حدث عالمي بهذا المستوى رغم الصعاب التي يواجها. كان التنظيم لافتاً على جميع الأصعدة، من الأمن إلى اللوجستيات، ومن اللقاءات الروحية إلى النشاطات الاجتماعية، وهذا ما سمح لكل اللبنانيين بالاستفادة من هذه الزيارة والشعور بأنهم يعيشون، ولو مؤقتاً، حالة سلام حقيقية. خلال أيام الزيارة، بدا لبنان مختلفاً: فالشوارع مزدحمة لأول مرة لا بالسيارات، بل باللبنانيين المؤمنين. الوجوه مبتسمة، والقلوب مفتوحة، فشعر اللبنانيون بأنهم أمة واحدة، بعيداً عن الانقسامات السياسية والطائفية. كانت الفرحة واضحة في عيون الناس، وكأنهم وجدوا في هذه الزيارة فرصة لالتقاط أنفاسهم واستعادة الأمل.

ومن المحطات الرمزية، زيارة البابا إلى عنّايا، الى ضريح القديس شربل، الذي يمثّل رمز الإيمان والصلاة في الوجدان اللبناني. كما شكّل لقاؤه مع الشبيبة في بكركي لحظة مهمّة، حيث شدّد على دورهم الأساسي في نهوض لبنان، مؤكداً أن المستقبل لا يُبنى إلا بإرادتهم، وبتمسّكهم بالقيم الإنسانية والإيمانية، وبإيمانهم بوطنهم رغم الصعوبات.

كما وشدد البابا على الجانب الإنساني، ففي خلال زيارته الى مستشفى دير الصليب، وجّه رسالة واضحة أنّ كل إنسان، مهما كانت معاناته، يستحق الرعاية والاهتمام. هذه الزيارة كانت تذكيراً بأنّ المجتمع لا يُقاس بقوّته الاقتصادية وحسب، بل بقدرته على احتضان أضعف أفراده.

وفي يومه الأخير، وقف البابا أمام قبور شهداء انفجار مرفأ بيروت، في لحظة طغت عليها الدموع والصلاة. كان مشهداً مؤثراً إلى حدٍّ كبير، خصوصاً عندما انهارت إحدى أهالي الضحايا باكيةً واحتضنت البابا بين يديْها. اختصر ذلك العناق الصادق وجع اللبنانيين كلّه، وكان أصدق من أي خطاب، لأنه عبّر عن جرحٍ لا يزال مفتوحاً، وعن حزنٍ لم يزل بعد.

واختُتمت الزيارة بالقداس الإلهي الكبير في واجهة بيروت البحرية، بحضور ما يقارب مئة ألف شخص. كان مشهداً رائعاً، جمع اللبنانيين على اختلافهم في صلاة واحدة، وأظهر صورة جميلة عن لبنان حيٍّ بإيمانه وشعبه.

في ختام هذه الزيارة، يبقى الأمل أن تكون رسالة البابا قد لامست القلوب، وأن تزرع فينا الرغبة في السلام، وفي سلوك طريق الله، أي طريق الصداقة والمحبة والعيش المشترك. ونرجو أن تحمل هذه الزيارة، في زمن الميلاد، بشائر خير للبنان ولرؤسائه، ليضعوا حدّاً للحروب والأزمات، فيقف لبنان من جديد على قدميه، ويعود كما كان، بلداً للسلام، ومن أجمل البلدان العالم.

PARTAGER