في مقابلة خاصة مع وزير الصناعة جو عيسى الخوري، تم تناول عمق الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على لبنان وتأثيراتها المباشرة على القطاع الصناعي، والذي لا يزال صامدًا رغم التحديات الهيكلية والتمويلية التي تمنعه من أداء دوره الكامل في التنمية.
القطاع الصناعي في وسط الأزمات الاقتصادية
وفقا لبيانات وزارة الصناعة، يساهم القطاع الصناعي بما يزيد عن 10 مليارات دولار في الناتج المحلي، ويوفر فرص عمل لأكثر من 210000 عامل، وقد صدّر أكثر من 1500 منتج صناعي للخارج بمعدل يصل إلى 2. 5 مليار دولار سنوياً. ومع ذلك، تُظهر إحصائيات الوزارة أن الميزانيات المخصصة له خلال عشرين عاماً لم تتجاوز 0. 03% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وهو ما اعتبره الوزير "إجحافًا تاريخيًا في حق الصناعة اللبنانية"، مشدداً على أن عدم وجود سياسات حمائية ودعم إنتاجي ساهم في تآكل قطاع الصناعات الصغيرة
والمتوسطة
تكاليف الطاقة... الكابوس الأكبر
أحد أبرز التحديات التي تناولها الوزير هو ارتفاع كلفة الطاقة، التي وصفها بـ"عبء قاتل على الصناعيين". بحسب تقرير البنك الدولي، تجاوزت التكاليف في لبنان حدود 35% بينما المعدل في الدول المجاورة يتراوح بين 12-15%. ومع تراجع توافر الكهرباء الرسمية، تلجأ المصانع إلى مصادر الطاقة البديلة بأسعار مرتفعة، مما يزيد من تكاليف الإنتاج ويضعف قدرة المنتجات اللبنانية على التنافس محليًا ودوليًا. كما أشار وزير الصناعة إلى تنظيم ورش عمل مع وزارة الطاقة لإيجاد حلول قصيرة الأمد.
خطة للنهوض... ورؤية استراتيجية وطنية
في هذا السياق، أشار الوزير إلى العمل على خطة وطنية صناعية متكاملة خلال الشهرين القادمين تركز على:
• تعزيز الميزات التنافسية لكل منطقة صناعية.
• تشجيع الاستثمارات الصناعية الحديثة والمستدامة.
• تحفيز الصادرات وربط الإنتاج المحلي بالأسواق الإقليمية والدولية.
وللمرة الأولى، تسعى الوزارة لتطوير دراسة علمية لتحديد هذه الميزات التنافسية، مما يُعتبر خطوة غير مسبوقة في التخطيط للسياسة الصناعية بناءً على دلائل علمية.
شراكة مع الصناعيين ومحاولات لإحياء تسهيلات التمويل
بالحديث عن العلاقة مع القطاع الخاص، ذكر الخوري تنظيم ورش عمل بالتعاون مع جمعية الصناعيين اللبنانيين، بهدف إيجاد آلية لإعادة تيسير المساعدات المالية للصناعيين التي توقفت بعد الأزمة المصرفية. وأكد أن التعاون بين الطرفين هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار والإنتاج.
الورش الإصلاحية... من القول إلى التنفيذ المؤسسي
قدم وزير الصناعة رؤيته الإصلاحية التي يقودها في وزارته، وهي خطة متكاملة للنهوض بالقطاع الصناعي تقوم على رؤية مؤسساتية، تشمل تحديث الهيكل الإداري، وآلية المعاملات، وإجراء مسح صناعي شامل. يتم العمل أيضًا على إطلاق استراتيجية وطنية للصناعة، بالإضافة إلى إنشاء هيئة مستقلة للرقابة، وهيئة لتعزيز الصادرات، وتفعيل التعاون مع القطاع الخاص، بهدف تحويل الوزارة إلى مؤسسة حديثة وفاعلة.
التحول من إدارة النفايات إلى صناعتها
من بين النقاط المهمة التي تم طرحها، كان دعوة الوزير لتغيير ملف النفايات من عبء إلى فرصة، من خلال دعم الصناعات المعنية بإعادة التدوير وتطوير الاقتصاد الدائري، مما يفتح آفاق جديدة للاستثمارات الخضراء الطويلة الأجل.
الاتفاقيات التجارية: خلل هيكلي يحتاج إلى معالجة
ما جذب الانتباه هو رأي الوزير حول الاتفاقيات التجارية مع الدول المجاورة، حيث اعتبر أن معظمها مجحف بحق لبنان، مشيرًا إلى أنها وُقعت دون حماية كافية للمنتجات المحلية. ودعا إلى إعادة النظر في هذه الاتفاقيات بما يحفظ مصلحة الاقتصاد الوطني ويعيد التوازن في التجارة.
يبدو أن الوزير جو عيسى الخوري مدرك تمامًا لحجم التحديات، ويسعى ضمن مساحة واقعية لرسم سياسة صناعية جديدة تعتمد على التحليل والتخطيط والتعاون مع الأطراف الاقتصادية. ومع ذلك، تبقى هذه الرؤية، مهما كانت جريئة، رهينة الإرادة السياسية الشاملة وقدرة الدولة على تنفيذ المخططات التي تم وضعها في ظل الأزمات المتعددة. إن الصناعة اللبنانية لا تزال حية، لكنها بحاجة إلى أكثر من مجرد خطط... تحتاج إلى قرار.