En | Ar

الصيف في لبنان: هل يمكن السباحة بأمان على الرغم من تلوّث البحر؟

يتميّز لبنان بساحلٍ جميل يمتدّ على أكثر من 220 كيلومتر على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط. ومع حلول فصل الصيف، تصبح السباحة من الأنشطة الأساسية التي يُقبل عليها اللبنانيون والسياح على حدّ سواء، في ظل ارتفاع درجات الحرارة ورغبة الناس في الترفيه والاستجمام. غير أنّ هذا التوجّه يصطدم بسؤال أساسي يتكرّر في كل عام: هل لا تزال مياه البحر صالحة للسباحة؟ وهل الشواطئ اللبنانية آمنة؟

 

واقع مقلق: البحر بين الجمال والتلوّث

 

على الرغم مما يتمتّع به الساحل اللبناني من مناظر طبيعية خلّابة، إلا أنّ تلوّث البحر يُعدّ من أبرز التحديات البيئية التي يواجهها البلد. فقد كشفت دراسات علمية، أبرزها تلك الصادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان (CNRS-L) ، أنّ العديد من المواقع الساحلية تعاني من نسب مرتفعة من التلوّث البكتيري، لا سيما نتيجة تصريف مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر، إضافة إلى ضعف البنى التحتية البيئية، وغياب محطات تكرير فعّالة في العديد من المناطق.

 

كما ساهم سوء إدارة النفايات الصلبة وتراكمها على الشواطئ وفي المياه البحرية في تفاقم هذا الواقع. إذ تُرمى النفايات أحيانًا مباشرة على الشواطئ أو تُلقى في البحر، ما يؤثر على جودة المياه ويهدد الحياة البحرية. وهذا يبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز الوعي البيئي وإلى تحسين أنظمة الجمع والمعالجة لضمان نظافة الساحل.

 

وقد أظهرت تحاليل مخبرية تواجد بكتيريا ضارّة في بعض المناطق الساحلية، يمكن أن تؤدي إلى التهابات جلدية، وأمراض معوية، وحتى أمراض في العين أو الجهاز البولي، خاصة عند الأطفال والأشخاص الذين يعانون من ضعف في مناعتهم .

 

بين الشواطئ الملوّثة والنظيفة: أين  تصلح السباحة؟

 

رغم  على الرغم من هذا الواقع الصعب، لا تزال هناك مناطق بحرية نظيفة نسبيًا، تصلح السباحة فيها بأمان. ومنها: شواطئ مدينة صور جنوبًا، التي تُعدّ من أنظف الشواطئ اللبنانية، إذ تجمع بين الجمال الطبيعي وال النظيفة، وتحظى بحماية قانونية نظرًا لكونها جزءًا من محمية طبيعية. كما تُعتبر بلدة أنفه في قضاء الكورة من المناطق الساحلية المتميّزة بمياهها الصافية وهوائها النقي، وقد أصبحت تُعرف مؤخرًا بـ”سانتوريني لبنان”. أما في شمال لبنان، شواطئ خاصة في مدينة البترون توفّر مياهًا مقبولة نسبيًا، نظرًا لإدارة بعض المؤسسات الشاطئية لها بطريقة منظّمة.

 

في المقابل، فإنّ بعض الشواطئ المعروفة تُعتبر غير صالحة للسباحة، وتُسجَّل فيها نسب تلوّث مرتفعة تعرّض صحة المواطنين للخطر. من أبرز هذه المناطق:

 

            الضاحية الجنوبية لبيروت (وخاصة منطقة الأوزاعي)، حيث تُصبّ كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر من دون معالجة، في ظلّ غياب شبكة متكاملة لتكرير المياه. وتُعدّ هذه المنطقة من أكثر النقاط البحرية تلوّثًا على الساحل اللبناني.

 

•            ًمنطقة الدورة، الواقعة شمال بيروت، والتي تمتد مباشرة على البحر. تعاني هذه المنطقة من تلوث بحري كبير نتيجة لتصريف المياه الآسنة من المباني والمصانع المجاورة، بالإضافة إلى قرب مكبّات نفايات قديمة ما زالت تؤثّر على نوعية المياه.

 

الشواطئ العامة والخاصة: بين الحقوق والواقع

 

يُعتبر الوصول إلى البحر حقًا عامًا بحسب القانون اللبناني، غير أنّ الواقع يُظهر أنّ غالبية الشواطئ اللبنانية أصبحت مُخصخصة وتُدار من قبل مؤسسات خاصة تفرض رسوم دخول قد تتراوح بين 10 و30 دولارًا للشخص الواحد. وغالبًا ما تكون هذه الشواطئ مجهّزة بمسابح، ومطاعم، ومرافق استحمام، لكنها ليست بالضرورة أكثر نظافة من غيرها.

 

في المقابل، لا تزال بعض الشواطئ العامة تحافظ على جودتها البيئية، وعلى رأسها الشاطئ الرملي الكبير في صور، الذي يُعتبر مثالًا نادرًا على شاطئ مجاني، نظيف، ومفتوح أمام الجميع.

 

توصيات للمصطافين

 

ينصح الخبراء كل من ينوي السباحة في البحر اللبناني باتباع بعض الخطوات الوقائية، أبرزها الاطلاع على التقارير السنوية الصادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، والتي تحدّد المواقع الآمنة. كما يُفضل تجنّب السباحة بالقرب من المرافئ أو مجاري الصرف الصحي، واختيار المناطق البعيدة عن التجمّعات السكنية الكثيفة.

 

كذلك، يُنصح بالاستحمام بعد السباحة، خاصةً لأولئك الذين يعانون من بشرة حساسة، لتجنّب أي تأثير سلبي محتمل من التلوث البحري.

 

               على الرغم من التحديات البيئية والضغوطات البشرية، يبقى لبنان بلدًا غنيًا بالجمال الطبيعي والثقافي، وشواطئه تحمل فرصًا حقيقية للاستمتاع بالصيف بأمان في مناطق نظيفة ومحمية. كما أن الوعي المتزايد والعمل المستمر من قبل المجتمع المدني والجهات الرسمية يعززان آمال تحسين الوضع البيئي في المستقبل القريب. لذا، يمكن لكل من يزور لبنان أن يستمتع بتجربة بحرية مميزة تجمع بين الطبيعة الخلابة والتراث العريق، مع ضرورة المحافظة على البيئة للحفاظ على هذا الكنز الوطني للأجيال القادمة

PARTAGER