En | Ar

الطّائرة، بديل الأرزة على علم لبنان

لطالما تعلّمنا  أنّ المساءلة والمحاسبة هما من ركائز الدّيمقراطية. وقد أكّدت الفقرة "ج " من الدّستور اللبناني أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة. لكن أين كانت الدّيمقراطية حين دمّر انفجار مرفأ بيروت البيوت وأدمى القلوب؟ أين كانت حين سُرِقَت أموال المودعين في المصارف؟ أين كانت أثناء  الحرب  والثّورة؟ 

 

أظنّ أنّه يتوجّب عليّ أن أقول اليوم أنّ لبنان أصبح جمهوريّة الهجرة.

الهجرة... أحيانًا أفكّر أنّها الكلمة الأكثر تواترًا في بلدي. وهذا طبيعيٌ فأنا أقيم أساسًا في بلد الأوهام والعجائب، أبحث فيه عن علاء الدّين فلا أجده. أستغيث بصوت الطّفل اليتيم والأمّ الموجوعة والأب المكسور فلا يجيب. أين أنت؟ أو لنكن واقعيين. أين مصباحك؟ وطني يحتاجه. لأنّ الطّائرة أصبحت بديل الأرزة على علمه. وأصبح السَّفر منه هَويّةً لا هوايةً والبقاء فيه سقوطًا في الهاوية بامتياز. إنّني أحتاجه فأنا أكاد أصدّق أنّ الهجرة ليست هروبًا بل خلاصًا.

 

بعدها أفكّر لبضع دقائق لا تتجاوز عدد ضحايا انفجار بيروت، ولا حتّى عدد شهداء أحزاب الطّوائف، لكنّها على الأكيد تتجاوز إنسانيّة رجال السّلطة، فأدرك أنّني مخطئة. لا، ليست تلك الكلمة الأكثر تردادًا، بل هناك كلمات أخرى كالفساد، والجوع والموت. أوليست دائمًا العقبات أكثر بكثير من الحلول؟ ليته لا يكون ذلك الواقع، ليت واحدًا من الرّؤساء يشعر بالأنين بدلًا من سماعه ويلمس الجرح الذي يُنزفه يومًا بعد يوم بدلًا من مشاهدته على شاشة التّلفاز التي كان البارحة ضيفًا في أحد برامجها. كم صدق ابن خلدون حين قال إن الحاكم إذا تعاطى التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة! 

 

لم يحدث أن مرّت سنة دون الادّعاء أنّنا على يقين بالأوضاع الرّاهنة، لكنّه على الرّغم من ذلك ننزلق من سيّء إلى أسوأ. أؤمن أنّنا لا ندرك حجم الخطأ الذي نقترفه إلا بعد اقتراف خطأ أصغر منه لا العكس. ذلك أنّ أخطاءنا في هذا البلد ليست صغيرة ليكون هناك أكبر منها.

 

تارَةً أراهم كمصّاصي دماء يختلسون الأحمر عن العلم كما يفعلون بالمال وحياة الناس فتضيع الأرزة وسط هذا البياض، ويتلاشى المواطن وسط هذا الفراغ. لكن إلى متى؟ ستدُقّ السّاعة الثّانية عشرة، وهم لن يجدوا سوى دمائهم فالعربة رجعت  يقطينةً والخدم سحالي والأحصنة فئرانًا. عندئذٍ، سيبقى لنا الدور الأصعب وهو زوال غبار وعودهم، وشظايانا التي بعثرت القلوب يوم قبلنا بغتةً ما نكّروه بالطّائفة. للأسف، إنّ الأشدّ ألمًا هو اقتراف وعود كاذبة بحق أنفسنا فتكون الصّفعة أقوى بكثير.

 

لكنّني أظنّ أنّ الصّفعة حاجةٌ في مجتمعي، لعلّ الأميرة النّائمة في نفوسنا تستيقظ، فعجلات الغزل تملأ الشّوارع، وتحلّق في السّماء وتعوم في البحور منذ زمن طويل. ونحن بانتظار الأمير الذي مع الأسف نبحث عنه في كلّ مكان إلا في أعماقنا.

 

أملي الوحيد هو أن يكون هناك يومًا ما عالمٌ، يتخطّى فيه عدد الكتب عدد الأسلحة. أن يحلّق صوت فيروز وكلمات الرّحابنة أعلى من الطّيران الإسرائيلي بكثير. أن يعوم شعر سعيد عقل وأنسي الحاج في بحور السّلام.أن يكون الدّستور اللبناني لا مجرّد نصّ مكتوب بل حارسًا للحقوق. 

 

أحلم أن يصبح لبنان بلدًا تتخطّى فيه الدّيمقراطيّة تداول السّلطات لتصبح مرادفًا لمحاسبة كلّ من أوصلنا للقاع، وما زال يَحفُر!!! 

اليوم، لو أنّ مصباح علاء الدّين بين يديّ، لكنت تمنّيت أمنية واحدة فقط ألا وهي: أرجوك أخبرهم أنّ المصباح لا يستجيب إن لم يطلبوا. 

PARTAGER