مع انطلاقة التحليل النفسي مع "فرويد"، بدأ العلاج النفسي يطرق أبوابا" جديدة يوما" بعد يوم من أجل إيجاد طرق مختلفة لكشف مكنونات النفس البشرية، وعلاج المشاكل التي تواجهها. أحد الأبواب التي طرقها هو "أب الفنون": المسرح.
المسرح، يجمع على خشبته الفن بمختلف أنواعه، كالأدب والموسيقى والرقص والتمثيل. نرى المسرح مرآة" للمجتمعات، يرسم حقيقة الواقع، طموحاته وأحلامه وتحدّياته، من خلال مشاهد حيّة يصوّرها الممثلون للجماهير، تولّد تفاعل فريد. على حدّ قول المسرحي اللبناني جورج خباز: “المسرح أنقذني...انه حاجة: أكتب، وأعبّر عن ذاتي وأعبّر عن آخرين. عظمة المسرح أنّه يجمع عدد كبير من الأشخاص كلّا" منهم من بيئة وخلفية مختلفة، إنما في المسرح تتوحّد مشاعرهم: يضحكون لنفس المشهد، يبكون لآخر، يصفقون، ويصغون...“
العلاج الدرامي، أحد أشكال العلاج النفسي، وهو قائم على التقنيات المسرحيّة والتمثيل لمساعدة الفرد أو المجموعة للتعبير عن تجاربهم الداخلية والصراعات الشخصية وحلّ المشاكل النفسية والاجتماعية. هذا العلاج يساعد الأفراد على مواجهة مشاكلهم بطرق إبداعية وفعّالة من خلال أنشطة متعددة مثل تمثيل الأدوار والارتجال...
ما هدف العلاج الدرامي؟
يتعامل العلاج الدرامي مع أفراد أو مجموعات لمساعدتهم للتعبير عن مشاكل نفسية قد تواجههم. في الحياة يواجه الفرد مشاعر لا يستطيع التعبير عنها بسهولة، فيظهر العلاج الدرامي ليساعد الفرد للتعبير من خلال الأعمال المسرحية بدلا" من الكلمات. بالإضافة الى أنه من خلال الانغماس في أدوار وشخصيات مختلفة، يتمكّن الأفراد من فهم ذواتهم بشكل أعمق والتعرّف على أنماط تفكيرهم وسلوكهم. عطفا" على ذلك يتيح العلاج الدرامي الفرصة للأشخاص الذين يواجهون صدمات، على سبيل المثال: صدمات الحروب، الانفجارات...، التغلب عليها من خلال توفير بيئة آمنة لاكتشافها والتعامل معها بطريقة إبداعية وبنّاءة.
ما هي أساليب العلاج الدرامي؟
للعلاج النفسي أساليب مختلفة لمساعدة الأفراد، وهذا ينطبق أيضا" على العلاج الدرامي. في هذا النوع من العلاج الأساليب تتمحور حول التقنيات المسرحية. يطلب من المجموعة أو الأفراد تمثيل مواقف أو مشكلات يواجهونها في يوميّاتهم، مما يتيح لهم رؤية الأمور بمنظار آخر. ويعمل هذا العلاج مع الأفراد على الارتجال، أي يتيح للمشاركين التعبير عما يدور في خواطرهم بشكلٍ حرّ وغير مقيّد. وأضف إلى هذه الأساليب، استخدام الأقنعة، التي هي وسيلة لفصل الشخص عن مشاعره المباشرة في الأحداث، مما يسمح له بالتعامل معها بوعي وجرأة أكبر.
هذا العلاج موجود في لبنان، والممثّلة والمعالجة زينا دكّاش تميّزت به، قد رأيناها تدخل السجون اللبنانية وتبدع بالعلاج الدرامي للمساجين. الأعمال التي قامت بها: "12 لبناني غاضب" سنة 2009 في سجن رومية و "شهرزاد في بعبدا" عام 2012 في سجن بعبدا للنساء، حيث سلّطت الضوء على مشاكل اجتماعية مختلفة.
ختاما"، العلاج الدرامي أو المسرحي، لا يستخدم فقط للعلاج، بل لإعادة بناء الانسان من الداخل، عبر استكشاف العوالم النفسية والوجدانية بأسلوب إبداعي ومؤثر. إن قوّته تكمن في جعل المشارك بطلاً في قصّته الخاصة، مما يساعده على التغيير الإيجابي وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.