En | Ar

تاريخ الحركة النسوية في لبنان

لا يخفى على أحد أن النساء في لبنان يعانين من عدم مساواة ممنهجة على مختلف المستويات، خصوصًا النساء المنتميات إلى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن أوضاعهنّ اليوم قد شهدت تحسّنًا مقارنة بالماضي، حيث شهد لبنان تطورات عدة في التشريعات التي ساهمت في تحقيق حماية اجتماعية أكبر للنساء. هذا التقدّم لم يكن ليتحقق لولا النضال الطويل الذي خاضته الحركات النسوية في لبنان خلال العقود الأخيرة.

البدايات 

تعود بدايات الحراك النسوي في لبنان إلى أيام الحكم العثماني، حيث ساهم تأسيس مدارس معنيّة بتعليم النساء إلى تشكيل طبقة من النساء الرائدات المنخرطات في الحياة العامّة، وقد تأثّرت هذه النساء بالفكر الغربي في أوروبا كما بالنضالات النسوية في البلدان العربية المجاورة. 

فتأسّست الجمعيّات الخيرية ونظمت الندوات وكتبت المقالات في الجرائد بغية حثّ النساء على مشاركة أكبر في الحياة الاجتماعية، عبر انخراطهنّ في سوق العمل وحقّهنّ في التعلّم. 

إذًا فقد كانت نشأة الحراك النسوي في لبنان محصورة بنساء من الطبقة المخمليّة، متأثّرين بالفكر الليبرالي الأوروبي. 

مرحلة ما بعد الاتسقلال 

تميّزت هذه المرحلة بوجود العديد من المنظّمات المعنيّة بالدفاع عن حقوق المرأة، وأهمّ جمعيّتين: الاتحاد النسائي اللبناني والتضامن النسائي اللبناني، اللتين اندمجتا تحت اسم المجلس النسائي اللبناني (عرف اوّلًا بجامعة الهيئات النسائية اللبنانية) عام 1952.

ومن أبرز إنجازات الحراك النسوي في هذه الفترة، حصول النساء على حقّ الاقتراع بعد نضال شرس من قبل هذا المجلس، عام 1953. حتّى أنّ إحدى النساء: إميلي فارس، أعلنت ترشّحها للانتخابات النيابية في العام نفسه، إلّا أنّها لم تنتخب. 

كما تمكّن الحراك النسوي من نيل تعديلات تشريعية، حيث ألغيت بعض القوانين التي كانت تكرّس اللامساواة، كالقانون الذي بموجبه تفقد المرأة اللبنانية جنسيّتها عند زواجها بأجنبي (ألغي عام 1960)، أو القانون الذي يصعّب على المرأة المتزوجة السفر من دون اذن زوجها...

مرحلة الحرب و ما بعدها 

 أدّى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 إلى تراجع كبير في النشاط النسوي نتيجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، أعيد إحياء الحركة بعد الحرب، بالتزامن مع تطورات دولية مثل اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) عام 1979، وعقد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين عام 1995.

ومن أهمّيّة هذين الحدثين أن كرّسا حقّ المرأة كحقّ من حقوق الإنسان الأساسية، كما أوجب على الدول الموقّعة (ومن بينها لبنان) الالتزام بتأمين هذه الحقوق. 

وقد كان لهذا التطوّر آثار مهمّة على تاريخ لبنان، فقد أسّست الحكومة اللبنانية في إطار مشاركتها في مؤتمر بيجين، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية واللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة. إضافةً، أدّى تصديق لبنان على اتفاقية CEDAW إلى تعديل العديد من القوانين التي كانت تكرّس تمييزًا ضدّ المرأة، خاصّةً في مجالات قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي. 

الحاضر

منذ ما عرف ب "ثورة الأرز"، شهد النضال النسوي في لبنان تحوّلات عدّة، حيث برزت مطالبات تدعو إلى نظرة تقاطعيّة تشمل الفئات الأكثر هشاشةً، فأصبح الدفاع عن حقوق العاملات الأجنبيات في صلب النضال النسوي، كما وزيادة التوعية حول ضرورة توفير حماية قانونية أكبر لضحايا العنف المنزلي، وقضايا البيئة. 

الخاتمة

إنّ لبنان ما زال يحتاج إلى العديد من الإصلاحات في نظامه السياسي والتشريعي لتأمين عدالة اجتماعية حقيقية للنساء، إلّا أنّ الجهود الكبيرة للنسويات في القرن الأخير، وإن لم تكن مثاليّة، لعبت دورًا محوريًا في تحسين أوضاع المرأة اللبنانية وتعزيز حمايتها. 

PARTAGER