En | Ar

لبنان: اليدُ باليَد في وجه الفتن

لطالما كان لبنان وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه في مُرّ الأيام قبل حُلوها . لبنان الأرز الأخضر، الكنيسة والجامع، الحضارة والفنّ، فيروز والرّحابنة ... القائمة طويلة والوصف يبقى غير كافٍ مهما بلغ.

أمّا اليوم ، لبناننا ينزف في جميع انحائه: من شماله إلى قلبه النّابض في البقاع وبعلبكّ ، إلى عاصمته أمّ الشّرائع بيروت ، وصولًا إلى أقصى الجنوب الصّامد . لبناننا أصبح كما لم نعهده من قبل. تغيّرتِ الملامح وتشوّهت المعالم .

 نزحت العوائل قسرًا من منازلها الواقعة في مناطق الخطر، تاركةً خلفها أرزاقها وذكريات سعيدة لم تكن  تحسب أن تضيع أماكن تكوينها لتصبح في مهبّ الرّيح . باختصار : هنالك أناسٌ تناسَوا حياتَهم بحثًا عن حياةٍ أخرى حيث توقّف عندهم الزّمن ولن يعودَ  حتّى يعودوا.

 وفي خِضَمِّ هذه الأزمة، لم يجد اللّبنانيّ غير أخيه اللّبنانيّ الآخر، ملجأً يأمنُ فيه على روحِه ونفسِه. ما اعتبره أعداء الوطن والعيش المشترك، في هذا الوقت بالتّحديد، فرصةً ذّهبيّةً لتفكيك هذه الوحدة عبر بثّ كلّ ما يساهم في التّفرقة بين أبناء الشّعب الواحد. وهذا ما بدأنا نلتمسه في مختلف المناطق من تحريضٍ على الآخر حيث تفاقمت الأمور حتّى طالت التّشكيك بالقيم الوطنيّة والإنسانيّة السّمحاء التّي يتغنّى ويتباهى بها اللّبنانيّ أينما حلّ وأينما وطأت قدماه، خالعًا ثوبه الطّائفيّ كما يقال بالدّارجة "العاميّة".

 على الوجه الثّاني من العملة، نجد جانب الوطن الصّالح : أرزةٌ خضراءَ متشعّبةُ الجذور، تظلّل أولادها كافّةً دون تمييزٍ قائمٍ على أساسٍ سياسيٍّ أو دينيّ. وأولادٌ تساندوا وقت الشّدد جاعلين مصاب أحد من بينهم، مصابهم جميعًا. يدبُّ الأوّل منهم لتلبية الثّاني دون التّفكير بأيّ شيءٍ غيرمساعدته على تجاوز المحن. هنا برزت الإنسانيّة وتهدّمت آمال أصحاب الفتن والمصالح القائمة على حساب الوطن. هنا، فشل الماكرون في منع الإنسان عن العمل بإنسانيّته. هنا أبطال تشجّعوا لنصرةِ المظلوم، فما بخلوا لا ببيوتهم ولا بأموالهم ولا بوقتهم الذّي اغتنموه في توزيع المساعدات وكلّ ما يمكن أن يخدم شركاءهم بالوطن.

بالرّغم من كلّ ما عصف ويعصف ببلدنا، لا يجب أن ننسى كيف استطعنا بوحدتنا دون سواها، أن نقوم من تحت الرّدم ولنعيد إعمار ما تهدّم  دون مللٍ أو كلل. وحدتنا تلك التّي تجاوزت قضبان قلعة راشيّا و حقّقت استقلالنا ونجحت في مواجهة كلّ الاعتداءات الإسرائيليّة التّي طالت لبنان. أخيرًا، لا تجعلوا الوطن صيدًا سهلًا بل لا تجعلوه يقع في شباك الصيّاد، وتذكّروا دائمًا قول الشاعر نزار قباني " إن يمت لبنان متّم معه، كلّ من يقتله كان القتيل

PARTAGER