En | Ar

رزق اللّه على أيامك يا ترامواي بيروت

كأنه حلم أو أسطورة يرويها لنا أجدادنا.

 كأنه نسمة من عبق التاريخ، حيث كان ترامواي بيروت يجري في شوارع لبنان.

‏وسيلة نقل حملت على متنها أفواجًا من الركّاب، وحملت معهم عناوين التطوّر والتقدّم 

ترامواي بيروت اليوم هو ‏نسيم ذكريات ومسارات حديدية أكلها الصدأ.

 

وصول القطار إلى بيروت 

‏نيسان ١٩٠٨، ‏ولبنان تحت الحكم العثماني، ‏جاءت شركة بلجيكية حاملة لواء التجديد لبيروت: ‏القطار الكهربائي، أو الترامواي. ‏سمحت هذه الإضافة لبلادنا أن تواكب الحضارة ‏ضمن شبكات تنقّل سريعة كمعظم البلاد المتطورة. رغم تبدّل الآراء واختلافها حول مدى إعجاب الشعب بالفكرة العصرية إلّا أن خدمات القطار نالت قبولًا هائلًا. 

 

‏جولة حول بيروت

‏أصبح ترامواي بيروت شائعًا، فامتدّت مساراته على ١٢ كم في قلب بيروت عام ١٩٣١. كان القطار يجري على خطّين رئيسيين، وتعدّدت محطاته:

- الخط الأول: من فرن الشباك وصولاً إلى المنارة، وله محطّتان، عند باب إدريس وساحة الشهداء. 

- الخط الثاني: من الحرش نحو البسطة وصولا إلى الدورة، وله محطّتان، عند رياض الصلح ومار مخايل الجميزة.

              ‏

‏من السادسة صباحًا حتى منتصف الليل لا يهدأ. اعتمده مئات الآلاف من الأفراد للتنقل من وإلى العمل أو الأسواق، أو لمجرد رحلة ترفيهية ل"شمّ هواء" بيروت. 

مقابل الخمسة أو العشرة قروش، كان يضمن الركاب مقعدًا على متن القطار الكهربائي. 

‏أما الرئيسان رياض الصلح وبشارة الخوري فكانا يملكان بطاقتي ركوب مجانيّ أبديّ.

 

‏قطار الحلو والمر

‏كمسارَيْ قطار لا يلتقيان، اختلفت آراء الشعب حتى انقسم برأيين متباينين حول ترامواي بيروت الشهير. ولكن القطار بقي في خدمة الشعب لأجيال وشهد الحروب والتقلبات، لا سيما فترة الانتداب الفرنسي وازدهار لبنان "سويسرا الشرق".

‏ساهم وجوده بتحسين انتشار الكهرباء في لبنان، حيث أنّ سككه الحديدية وإنارة الشوارع والإشارات تطلّبت تطور البنية التحتية الكهربائية والإمدادات اللازمة لكي تعمل.

‏كما ساهمت وسيلة النقل المشترك بتقريب المسافات والعلاقات بين اللبنانيين. فكانت عند المحطات تزدحم حشود الناس من مختلف الأديان والطوائف والفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، ، ما أدى إلى تعزيز العيش المشترك. بالإضافة إلى فرص العمل على خطوط السكك الحديدية.

من حهة أخرى، شكى البعض من منافسة القطار لمهنته، كعمّال الإنارة وسائقي العربات التقليدية الذين شهدوا انخفاضًا في وتيرة عملهم.

 كما أدّت بعض الحوادث، وحالات السرقة والتحرش الى عدم الراحة والأمان عند البعض.  فلُقِّب ب "دولاب الشيطان".

 

محطة أخيرة

رغم كل ما مرّ على ترامواي بيروت، فإن تطوّر وازدياد السّيارات وسرفيس ال"تاكسي" أدّى الى وجوب إزالة السكك الحديدية شيئا فشيئا لإفساح المجال للطرقات، و نتج عن ذلك تراجع تشغيل القطار و توقيفه الكلّي في أيلول من عام ١٩٦٥.

منذ ذلك الوقت، طُرِح موضوع إعادة تأهيل وعمل الترامواي، لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق لوضع خطط تنفيذية وتلاشى المشروع مع مرور السنوات. 

تمّ الكشف عام ٢٠١٩ على تواجد ما يعادل ٣٠٠ عامل لسكك الحديد ما زالوا حتى اليوم يحصلون على رواتب رغم انقراض القطار في لبنان، مما أثار الجدل.

وأخيرًا لم يتبق اليوم إلا الصور المعبّرة، والأغاني والأفلام النوستالجية وقصص الأجيال السابقة، إلى جانب المسارات المهجورة، لتروي قصة ترامواي بيروت

PARTAGER