لبنان، يا قطعة سماء نزلت على الأرض ، بترابك أزهرت أزهار الحبّ والسلام ووصل شذى عطرها الى العالم كله. يا قطعة ذهبٍ محفورة بكتب التاريخ والحضارات. عصفت به رياح الحروب والاحداث لكنه ظلّ شامخاً كارزته الشهيرة. يا جوهرة الشرق وموطن الجمال، تفتحت عيون الحسد والتآمر عليك فاخذو يتاجرون بشعبك وأرضك ومعالمك ومن هنا بدأت الحروب تتغلل بذاكرة اللبنانيين وتترك جروحاً أليمة، فما كان للبنان الا ان يغرق في بحرٍ من الدماء والدمار.
بكى لبنان على مدنه التي لا تنبض سوى حياةً وحضارة، وقد أصبحت ساحات حربٍ لم تعرف سوى صوت الرصاص وصرخات الفزع. يا وطناً كان فيه الليل يدق على ابواب البيوت ليسمع الأغاني والحكايات وأصوات الضحك و الفرح . فأصبح رهينة في الايادي السياسية التي اوقفت الوطن متفرجًا عاجزًا عن لملمة جراحه وأدخلته بخصومات الشرق ورمته في بحر الحروب اللامتناهية.
بكى لبنان عندما أدرك أن الحرب لا تعرف الرحمة، وأنها لا تفرق بين غني وفقير، بين طائفة وأخرى. رأى لبنان أبناءه يسقطون الواحد تلو الآخر، دون أن تفرّق الحرب بين حلم وأمل أو بين حب وحياة.
فكما قال غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير "ان الأوطان لا تحمل في الجيوب، فمن حمل وطنه في جيبه لا وطن له، ولكن من حمل وطنه في قلبه وارادته فمها توالت عليه الويلات والمحن فانه حي" وها هي يا للأسف اوطننا متواجدة في جيوب الخضوع للأنظمة التي لا تصب في كيان البلد، اوطاننا موجودة في جيوب التلاعب السياسي والمصالح الإقليمية والدولية وها هو الشعب اللبناني يتحمل رواسب هذه المنظومة ويعيشها في كل لحظة.
لكن حتى في أشد لحظات الظلام، كان هناك بصيص من الأمل. وسط كل هذا الألم، ظهر من يؤمن بأن لبنان يستطيع أن ينهض من جديد، كما ينهض طائر الفينيق من رماده. كانت الدموع التي يذرفها اللبنانيون دموع صبرٍ وقوة، دموع شعبٍ يرفض الاستسلام للقدر. وفي كل مرة كانت قذيفة تسقط، كان هناك من يرفع راية الأمل ويؤكد أن لبنان لن يموت.
في كل زاوية من بيروت المدمرة، تنبت بذور الأمل. كل ركنٍ تحطم فيها، وجدت بيروت من يعيد بناءه، وكل طريقٍ قطعت، وجدت من يسعى لإصلاحها. إزاء كلّ محنةٍ ستقوم بيروت من تحت الردم والركام، كزهرة لوزٍ في نيسان.
الصمود اللبناني لم يكن مجرد رد فعل على الأزمات، بل هو فلسفة حياة. من الطفولة وحتى الشيخوخة، تعلم اللبنانيون أن يتحدوا كل ما يواجههم. الأطفال الذين يلعبون في الشوارع والأحياء المتواضعة، يكبرون وهم يعرفون معنى النضال من أجل الغد. النساء اللواتي يعملن بجد للحفاظ على بيوتهن، والرجال الذين يسعون لتأمين لقمة العيش رغم كل الصعاب، كلهم يمثلون قوة لا تتزعزع.
واخيراً، نحن قوم نحب الحرية ودون حرية لا يمكننا ان نعيش. لبنان، يا نقطة وصلت نبضات قلبها الى الشرق ،فاذا توقف هذا القلب عن الخفقان توقفت حياة الشرق.
بكى لبنان وبكت شوارعه وبيوته ومواطنوه، ولكنك يا وطني مثل التراب كلما تعرضت للضربات زدت صلابةً وعزمه
نبقى مؤمنون بان الليل لا يدوم وان فجر السلام سيبزغ من جديد. ستشرق الشمس على الارزة لتعود مظللةً ارضاً عرفت كيف تحيا رغم الموت.
بكى لبنان، ولكنه لم ينكسر .