En | Ar

الإنسان والكون: رحلة في أعماق الفلسفة الكونية

يعتبر الكون أحد الإبداعات الأكثر تعقيدًا. فهو، بحسب الفلسفة العصرية، منقسم إلى كون بشري وكون فضائي. ويمكننا القول إن فلسفة الجسد بمكوناته الفيسيولوجية والبيولوجية تصبّ في خانة فلسفة الكون الفضائي عينها. والإنسان هو كون مصغّر يعمل بالمنهجيّة نفسها وبالقوانين التي يتحرك بها الكون الفضائي (الزمني-المكاني). 

 

"الميكروكوزم" (microcosme) و"الماكروكوزم" (macrocosme) من هنا تأتي فكرة مفهومين فلسفييَن يصفان مجمل الكون والإنسان كأجزاء مترابطة من الواقع. 

 

منبع هذه الفكرة واحد، ولكن يجب علينا أن نتعمق أكثر لفهمها. ويتعلّق الأمر كله بالتفكير بشكل أعمق لبناء فلسفة هذا الموضوع الضخم. 

 

الماكروكوزم أو الكون الفضائي هو التكامل الزماني-المكاني الذي يتضمن النجوم والكواكب والثقوب السوداء، وغيرها من الأشياء غير المحددة. والكون هو مادة حيّة، تصطدم فيه النّجوم، وتدور فيه الكواكب وتتحرّك وتغيّر موقعها، وتحترق الغازات في الشموس، والممرات المظلمة التي تستهلك كل شيء. نعم، إنه غامض وغير محدد، ولكنه إبداع بحد ذاته. 

 

من ناحية أخرى، الميكروكوزم أو الكون البشري يشير إلى أنّ الإنسان أو الفرد يُعتبر كونًا صغيرًا بحد ذاته. وهذا يعني أن كل ما يوجد في الكون يمكن العثور عليه داخل الإنسان على المستوى البيولوجي والجيني والفسيولوجي. فعلى سبيل المثال، يمكن مقارنة أعضاء جسم الإنسان بالأجرام السّماويّة في الكون، مثل الشّمس والنّجوم. 

 

الإنسان يعتبر غالبًا كميكروكوزم، جزء صغير يعكس الكلّ الأكبر. وهو مادّة حية تحتوي على خلايا وأعضاء وعمليّات معقّدة وظواهر يصعب فهمها وتفصيلها بدراسة الطّب، أحد المجالات الواسعة اللامتناهية. 

 

هذه الظواهر البشرية والكونية ليست معزولة، بل مترابطة، وتعكس التّفاعلات الأوسع داخل الكون. على سبيل المثال، تتناغم الإيقاعات اليومية للإنسان مع الدّورات الطبيعيّة للّيل والنّهار. وبالإضافة إلى ذلك، يجد التّركيب الكيميائيّ لأجسامنا صدى في المادّة النّجميّة، مما يوضح وجود ارتباط عميق بين الإنسان والكون. 

 

لنبدأ بربط المفاهيم وتوضيح الأفكار التي تحدّثنا عنها. هل فكّرت يومًا أنّ الجسم البشري يعمل مثل الكون بكلّ تعقيده وتماسكه وجماله؟ هل تساءلت يومًا لماذا؟ 

 

الجواب هو أن لهما الخالق عينه. فعندما يُصنع أي منتج من قبل صانع واحد، نرى أنّ نقطة الانطلاق في الصّنع نفسها، والمنطق النّابع من هذه الصّناعة ينطبق على كلّ الإنتاجات والمشاريع ولو كانت مختلفة. تكون فلسفة عمليّاته في الخلق هي نفسها، وتُطبّق الطريقة نفسها في كلّ مكان، رغم أنّها في ظروف مختلفة بالطّبع. ويتشكّل الجسم البشري، والكون، وكلّ الأشياء الحيّة والموجودة بالقوّة نفسها المتعالية، والطّاقة نفسها، والمنطق نفسه. 

 

عند استكشاف المفاهيم الذّهنيّة والفلسفيّة، نكتشف أوجه تشابه عميقة بين الأفكار البشريّة والمبادئ الكونيّة. وتبدو هذه المفاهيم، سواء كانت نابعة من العلم أو الفلسفة، وكأنّها تصدر من القوّة نفسها الخلّاقة. وتؤدّي القوّة الموحّدة إلى عناصر متكاملة ومنسجمة، مما يشير إلى أنّ الكون والإنسان يشتركان في أصل مشترك. وتُظهر هذه الرّؤية الشموليّة أنّ القوانين التي تحكم الكون هي نفسها التي تحكم الإنسان. 

 

في الختام، من الضّروري الاعتراف بأنّ كلّ جزء من الكون، بما في ذلك الإنسان، يمثّل الكلّ. وتنطبق القوانين الكونيّة أيضاً على الإنسان، سواء كانت فيزيائيّة أو بيولوجيّة أو فلسفيّة. يتيح لنا هذا الفهم رؤية الإنسان ليس ككيان منعزل، بل كجزء لا يتجزّأ من الكون، حيث كلّ عنصر مترابط. وتدعونا هذه الرّؤية الشموليّة إلى استكشاف مكاننا في الكون بعمق أكبر والاعتراف بالقوى الموحّدة التي تحكمنا

PARTAGER