قرية بسكنتا في قلب جبل لبنان في أعالي قضاء المتن هي واحدة من أجمل القرى اللبنانية التي تزخر بتاريخ طويل وثقافة غنية. تشتهر بسكنتا بطبيعتها الخلابة وجبالها الشامخة التي تحيطها من ٣ جهات وأوديتها الساحرة، مما يجعلها مقصدًا لعشاق الطبيعة ومحبي المغامرات. تضم هذه القرية العديد من المسارات الطبيعية الرائعة، من بينها مسار "العاصي" المعروف مؤخراً بـ "أمازون بسكنتا"، الذي يُعتبر جنة لمحبي رحلات المشي والتسلق.
الطبيعة وجدت لنتنعم بخيراتها ونمتع نظرنا بجمالها، وهي إحدى التجليات الدالة على قدرة الله في خلقه.
وهل ثمة وسيلة للترفيه عن النفس والابتعاد عن ضجيج المدن أسمى من جولة في أحضان الطبيعة؟
في هذا المكان، حيث يجتمع منظر الأرض -شجرها وأزهارها ومجاري مياهها- بالسماء الصافية اجتماع الأحبة، وما بينهم أسراب الطيور بأشكالها الخلابة، لتمنح القلب أملاً وبهجة، سرنا مع قسم الرياضة في جامعة القديس يوسف في بيروت والطبيعة جنباً إلى جنب، نتأملها ونراقب يمينًا ويساراً بين الأغصان الغضّة، فالهواء العليل الممزوج بدفء الصيف ورائحة الطبيعة يداعب الأشجار ويجعلها تترنم بموسيقى عذبة تحيي القلوب ً وترفِّه عن أنفسنا.
فما أجمل هذا الشعور!
تناثر أوراق الشجر يشعرنا بأنها تتخلى عن حياتها في سبيل إسعادنا. فيما تخترق أشعة الشمس الأشجار لتبحث عن أزهار متفتحة لتستقر عليها فيصبح الجو أكثر حنانًا. ولتكتمل صورة جمال الطبيعي وسحره، نرى الفراشات الملونة تتراقص فرحةً في الحقول، والطيور تغرد ألحان قصبٍ حنون.
تنقّلنا وأيادينا تصافح الصخور بينما صافحت الأشجار الأحبة حينًا والأعداء حينًا آخر بسبب وعورة الطريق في بعض المراحل. وتوشَّحت أحذيتنا بوشاح من الطين يعكس تحديات الرحلة وصعوبتها، وعلى جانب الدرب، تكسو الازهارالأرض بحلة زاهية من الألوان، مما يجعل السير بين هذا الجمال بلسماً يخفف عن النفس آلامها.
ولا يكتمل جمال هذه التجربة من دون الحديث عن تحدي تسلق السلالم المنتشرة في أرجاء المسارات. فهذه السلالم، تضيف بعدًا تشويقيًا للمسيرة او تثير التشويق والحماس عندما نتسلقها. كما تمنح الزائر شعورًا بأنه قام بالإنجاز. ومع كل خطوة نخطوها نحو الأعلى، نقترب من مكافأتنا: الإطلالة البانورامية التي تنتظرنا في الأعلى ذات الجمل الذي لا يُضاهى.
ما الذي يزيد الموقع حيويةً ً؟
مجرى مياه يسير كجحافل جيش منتصر الذي يمرّ و يفسح له جميع الناس مجالًا ليتقدم . وكلما توغلنا في أعماق الغابة، يزداد صوت خرير المياه قوة حتى نصل إلى شلالٍ تتلألأ مياهه الصافية .اما انحدار الصخور فمخيف، ولكن أثناء الوقوف على المنحدر، تستمع الى الأشجان التي تعزفها قطرات الماء المتطايرة و المتساقطة كزخات مطر خفيف. وفي تلك اللحظة نرى لوحة فنية من خلق الله مكونة من طبيعة خلابة وشلال وطيور في السماء. فنرى من الجمال ما لا نراه في مكان آخر، وبعد السباحة في مياه النهر المتدفقة امتلأت أروحنا بنسيم الحياة وتتجدد وتتجدد وتجددت قوانا بلمسات المياه العذبة والباردة، كأننا ولدنا من جديد، تاركون وراءنا كل ما هو تعب وهموم، بعد أن غمرنا السلام والانتعاش الروحي وشعرنا أننا نمتلك الكون.
الطبيعة نعمة من نعم الله، وهي تؤثر بشكل مباشر على نشاط الإنسان وعمله وحالته النفسية، . ولعل قرية بسكنتا تجسد هذا التأثير على أكمل وجه بفضل تناغم مناظرها الخلابة ومساراتها الطبيعية مع تاريخها العريق وثقافتها الغنية، مما يجعل التجربة أكثر ثراءً وإثراءً.