En | Ar

مرحباً بكم في بلد نخره الفساد منذ القدم، وبدولة حكّامها أمراء حروب سابقة

     منذ استقلال لبنان والفئة المتمسكة بمصيره تتنازع للسيطرة على حريّة شعبه. منذ استقلاله حتى اليوم استمرّ رجال الدين بشدّ العصب الطائفي لكلّ فئة، فازداد شعبه كراهيّة وتعصّبا، على عكس رسائل المسيح والنبيّ محمد السّاميّة والداعيّة للحب والتفاهم. قام رجال السيّاسة باحتكار كلّ ما استطاعوا الوصول اليه، فبرزت المحسوبيّات والوساطة على حساب الكفاءة والتّميّز، فتحوّل لبنان من سويسرا الشرق لمستنقع الشرق

    في بادئ الأمر كان لبنان كلمة فقال الله لها كوني فصارت الكلمة جنّة الله على أرضه الواسعة. فلكم أن تتخيلوا يا سادتي مدى جمال وسحر تلك النّعم، فهنا تعالت جبال بين الأبديّة والأبديّة، وهنالك سهول توّشحت الحياة، وينابيع فاضت بتاريخ من العز قد روت جذور الأرز شرفاً ونقاء. وعلى هذه الأرض كانت الحياة تعجّ بناسها، فملأت كؤوسها بالمحبّة والأخوّة، وزرعت فيهم قيم النّفس البشريّة، فاجتمعوا بأتراحها وأفراحها.... يكفيكم أن تتخيّلوا لوحة فنيّة هادئة وجميع من فيها يعيش بسلام، أو معزوفة كلاسيكية ترتعش الآذان لسماعها فتذهل وترقد أرواحها بسكينة

   واليوم كالمعتاد لا شيء جميل يدوم للنهاية، فشياطين هذا الوطن تلاعبوا بتاريخه وحوّلوا تلك الحقيقة العارية والبسيطة لجحيم لاهبة، تتعالى روائح المنيّة على مداخل مستشفياتها، ورؤوس أفاعي الشهوات من نوافذ منازلها الفقيرة، وتكدّست المطامع الشخصيّة على مكاتب حكوماتها، وتصاعدت أفكار الكراهية بين أهلها. كأنّ تلك اللّوحة الهادئة قد احتلتها زوابع الحقد والرّياء، فبعثرت قيمها وكسرت قلوبا مبدّلة جوهرها. أمّا المستمعون المدهوشون بالمعزوفة الكلاسيكية فقد استفاقوا من سحرهم بعد أن تفاجؤوا بأصوات صاخبة غاضبة

  حكّامنا الأعزّاء لم يكفهم دّمارلبنان الهائل الذي أصاب بلداته ومدنه، والطمع القابع في نفوسهم الخسيسة، وأحاديثهم السّامة التي تثير النعرات الطائفيّة، بل سمحوا لنفسهم بسرقة أموال الكادحين الذين أفنوا أعمارهم ليؤمنوا مستقبل واعد وعيشة هنيئة لعائلاتهم. نهبوا المواطن الذي لا يملك سوى صوته لمواجهتهم، ومن أتى لهم بمنفعة خاصة توانوا عنه

   لنصفن قليلاً، أيقع العاتق كلّه على الطّبقة الحاكمة في لبنان؟ فالفساد تراه قابع في كلّ منزل، وصدى ألسنة الكراهية يتعالى مع كلّ صوت، والفساد التربويّ راكد على أبواب مختلف المعاهد والمدارس، وسوء الادارة والوساطة تعجّ بكافة الدّوائر الرسميّة، والرّشوة أسرع طريقة لتسيير أية معاملة، حتّى أن ذاك اللّبناني يخالف جميع ضوابط السّير والقانون وان سافر لأي بلد تراه يلتزم به ويثني عليها. عجبا لشعب يتصنّع الحضارة والثقافة في المهجر وفي وطنه الأم يتفاخر باللامسوؤلية والانحطاط بين أبنائه

  أين شعب لبنان العظيم الذي ثار على الظلم والفقر، أين أحفاد الحريّة والعدالة؟ أين المطالبين بلبنان التنوّع والمحبّة، ألم يقل جبران "لكلٍّ منّا لبنانُهُ الخاصّ، ولبنانُنا جميعاً هو الوطنُ الذي ننتمي إليهِ ونُحبّهُ ونُضحي من أجلهِ" أم تراها أحرف منسيّة؟ أين هم مثقفو هذا الشرق ومبدعيه، اما حان الوقت ليعود لبناننا منارة للعدل؟ أعيدوا لنا لبناننا واتركوا أبناءه المخلصين ليرجعوا مجده وعزّه، ولبناء دولة يحتذى بها

PARTAGER