اختلف العديد من الباحثين على تعريف محدد وواضح للفن، ولكنّهم اجتمعوا على التّمسك به والمحافظة عليه. منذ فجر التاريخ, سعى الإنسان للتعبير عما يختلج فيه من مشاعر وأحاسيس ,فنقش على جدران الكهوف رسومات بدائية, وغنّى بألحان بسيطة, ونسج خيوط أفكاره وأحلامه، فكان الفن أسمى وسيلة للتعبير عنها. مع مرور الزمن، تطورت الفنون وتنوعت كالرسم والنحت والموسيقى والأدب والمسرح والرقص, وكل نوع منها يتمتّع بنكهة خاصة ورسالة فريدة.
للفن قدرة سحرية على التأثير في مشاعرنا وأفكارنا، فهو مجموعة من المشاعر المتكاملة تارة، والمتعارضة تارةً أخرى كالسعادة والحزن،، كالحب والكراهية, كالخوف والأمان. والأجمل من ذلك أنّه لغة بسيطة متداولة ومفهومة، تأسر الروح فتغدو مدمنة لتلقي المزيد منه، وتغذّي العقول فتزيدها جمالاً وحريّة.
الفن لغة الروح ونبض المشاعر, هو سفر عبر الزمن اللامتناهي، حوار صامت مع الوجود، وصرخة ساكنة في عمق القلب، ورسالة تعبير عن الذات وترجمة الأحاسيس. ينساب الفن في عروقنا كالنهر الخالد, يروي عطشنا ويهذّب أرواحنا, تاركاً بصماته في كل حضارة, حافراً ذكريات قيّمة في أفئدتنا.
الفن صورة المجتمع ورمزٌ للتطور والاختلاف في العالم، فهو نبع يفيض بمختلف الفنون، وجسرٌ عابرٌ للقارات، يعبّر عن مدى رقيّ المجتمع، فكلّما ارتقى الفن لمرحلة مخاطبة العقول والقلوب، كلّما استمرّ ورسخ في النّفوس.
في كلّ مرحلة من التاريخ ظهرت روائع فنيّة أثارت مشاعرنا وحفّزت ابداعنا. تخيّلوا فرشاة رسام تحي لوحة فتبث بها الحياة لتثير عقولنا، مشكلة اشكالاً لكونها تعبّر عن خيال الفنّان. تخيّلوا أصابع عازف قد حطّت رحالها في قلوبنا، فكلّ معزوفة غدت مصحوبة بمشاعر سامية، فتقبّل قلوبا وتشعل نشوة السحر فيها. تخيّلوا أحرفا ناريّة لفظتها الشّفاه فاستملكت وتمّلكت الأحاسيس والأفكار.
تعدّدت الفنون وتنوّعت فمنها الفنون البصريّة كالرّسم والتصوير والنحت، والفنون الموسيقيّة الّتي تشمل الغناء والعزف، الى الأدبيّة كالشّعر والمسرح والاعمال الكتابيّة، لنصل الى الفنون التشكيليّة التي تحتوي على صناعة الفخار والخياطة...
للفن دور مهم في التأثير على العقول وسلامتها، اذ يمكن للفن ان يحفّز الابداع والتفكير النقدي من خلال ما تحمله من رسائل وأفكار هادفة للمجتمع. نضيف اليها قدرة الفن على تعزيز الصحّة العقليّة، فهو يستخدم لمساعدة الاشخاص الذين يعانون من مشاكل عاطفيّة وعقليّة.
الفن غذاء الرّوح، ودواء القلب، وجمال الحياة، هو رحلة ساحرة في مدن الابداع والتعبير، وسفر طويل في بحر الجمال والالهام. هو هديّة البشر لصفحات التاريخ، ثروة انسانيّة لا تقدّر بثمن. الفن يثقل النفس ويهذّبها فيغذي فيها نشوة الحياة وبعرّيها من أقنعة الفساد والعبوديّة، هو الجمال والخيال وصلة الوصل بين القيّم الانسانيّة والعادات، يساهم في تحقيق التوازن النفسي والرّوحيّ لدى الانسان من خلال التّعبير عن عواطف ووجدان الفنّان. فيا سادتي حافظوا على الفن العريق الطّاهر، حافظوا على كلمات الرّحابنة ومشاعر فيروز، على جنون جبران وأجنحة حروفه، على صدى وديع في بحر صباح، ونغمة الباشا مع ابداع قصّار. فالفن هو الحياة والحياة هي الفن.