"العالم لديه العديد من الصور لإسرائيل، لكن إسرائيل لديها صورة واحدة فقط لنفسها: صورة شعب في طريقه إلى الزوال"،
الفيلسوف اليهودي "شمعون رافيدوفيتش".
عرّفت "أغنيس غوليك دي زافالا"، أستاذة علم النفس البولندية، النرجسيّة الجماعيّة بأنّها: " اعتقاد الفرد أن المجموعة التي ينتمي إليها استثنائية ومتفوّقة، وأنها لا تحظى بما تستحقه من تقدير الآخرين" وأظهرت خوفها من انتشار هذه الظاهرة في عالمنا الراهن.
يكمن الاختلاف بين النرجسيّة الفرديّة والجماعيّة في حجم تأثير تصرفات كل منهما، حيث تتجسّد النرجسيّة الفرديّة في اعتقاد الشّخص أنه أفضل من الآخرين وأنّ أي نقد يُعتبر تهديدًا لصورته الذاتية المبالغ فيها، ويُمكن أن يُفسّر على أنه هجوم شخصيّ. لذلك تراه لا يتوانى عن تقليب الحقائق وإعادة صياغة الأحداث بما يتناسب مع مصلحته، وقد يصبح متمرّساً في تقمّص دور الضّحية، حتى أنه يصدّق روايته المزيفة ويرفض الاعتراف أو الاعتذار لأي كان. وليست النرجسيّة الجماعيّة ببعيدة عن هذا المفهوم، بل إنها أخطر بكثير.. ذلك لأنها تترجم سياسات الكثير من الشعوب والدوّل، وتشرح تصرفاتهم «الوحشية" و "المنتهكة" في حين تراها هي " ديمقراطية" أو " دفاعاً عن حقوق الإنسان". ...
وإذا أردنا أن نفهم وحشية الكيان الإسرائيلي، وغطرسة جنوده ومستوطنيه، لا بد من أن نتطرق إلى عقدة النرجسيّة المفرطة لديهم. حيث إن شعارات "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد" تعكس معتقدهم الاستعلائيّ، خصوصاً وأن تفوقهم في المجالات كافة على دول الجوار وادعائهم بكونهم "الدولة الديمقراطيّة" الوحيدة في الشّرق الأوسط جعلهم يصدقون أنّ ما يحق لهم لا يحق لغيرهم. ويجب الإشارة هنا إلى دور الدعم الغربي اللامحدود وبالأخص الدور الأميركي. فإن كان ثمة عقيدة أكثر غطرسة ونفاقاً وغروراً من العقيدة الإسرائيليّة فإنها بالطبع العقيدة الأميركيّة الرأسماليّة. وقد تجسّد ذلك في كتاب "ثقافة النرجسيّة" للكاتب «كريستوفر لاش"، أستاذ التاريخ في جامعة "روتشستر"، الذي يعتبر من أوائل مَن بدأوا الحديث عن النرجسيّة بوصفها مشكلة رئيسيّة في السياق الأمريكيّ تحديدًا.
وهنا لنا أن نسأل: كيف لجماعة مغرورة مثل هذه أن تظهر كل تلك الهشاشة بعد 7 اكتوبر؟
إن عقدة الفوقية يتخللها شرخاً كبيراً سببه التزعزع الأمنيّ العميق والشعور بعدم الاطمئنان. وهو أحد أسباب الجنون الإسرائيليّ بعد 7 أكتوبر، عندما نجح هجوم المقاومة الفلسطينية في كشف الغطاء عن وهم التفوّق الإسرائيليّ. وقد تجلى هذا الاضطراب والتزعزع النفسيّ في بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّة عبر استحضار نبوءة العقد الثامن، أي نبوءة زوال إسرائيل بعد مرور 80 سنة من قيامها. ومن ناحية أخرى، ارتفع عدد طلبات المهدّئات والأدويّة النفسيّة بنسبة 20% خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، حسب مؤسسة "مكابي للخدمات الصحية". والأمر ذاته ينطبق على مكالمات الدّعم النفسي.
وقد شاهدنا جميعنا كيف يهرعون إلى المطار عند أيّ حدث أمنيّ، بغية العودة إلى بلدانهم الأصليّة. هذا إلى جانب حالات الانتحار المتكررة لديهم، كقضية انتحار 50 ناجيا من حفل "نوفا" الذي تزامن مع عملية "طوفان الأقصى"، وذلك وفقا لما قاله غاي بن شمعون، أحد الناجين من الحفل.
هذا إن كان يدل على شيء، فهو يدل وبكل وضوح أن أحد أهم المخاوف التي يعيشها الإسرائيليون هو القلق الدائم على مصيرهم. رغم أنهم وبكل وقاحة يدافعون عن حقهم في امتلاك فلسطين وبعض الدول المجاورة لها على اعتبار أن كتابهم يقول ذلك، إلا أنهم يدركون جيدا حقيقة اغتصابهم لهذه الأراضي بالقوة والقتل والتهجير، وأن السّكان الأصليين لا بد من أن يقاوموا وينتقموا إثر كل تلك الجرائم المرتكبة بحقهم.
إنّ جرائم الكيان المحتل ترتبط ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية التي يعيشها مستوطنوه وجنوده، والوحش الإسرائيلي النرجسي ّ أصبح عاجزا عن اتخاذ تاريخ الشتات - وما عاشه مستوطنوه من اضطهاد مسبق أو منطق معاداة السامية - حيلةً لتقمص دور المظلوم. واليوم، بفضل سواعد الأبطال المقاومين البواسل، ها هو الشرخ يكبر وعقدة التفوق تهتز، وبدأ الخوف يترقبه من كل جانب ومن كل جهة..