الدبكة اللبنانية، حكاية تحمل في طيّاتها تاريخ شعب يعشق الحياة في وطن ينبض أملًا وجملًا. مع كلّ خبطة قدم تهتزّ الأرض، فلا مثيل للدبكة اللبنانية الحماسية التي تضفي سحرها على جميع المناسبات وترافق اللبناني أينما ذهب. لهذه الرقصة التراثية صلة بالماضي والحاضر، تقليد لا يموت يزيد شعب بلد الأرز غنىً وامتيازًا
أصول الدبكة
لنشأة الدبكة أساطير وحكايات مختلفة. يعتبر بعض المؤرخون أنّ الدبكة قد ولدت منذ آلاف السنين وانحدرت من الرقصات الفينيقية. البعض الآخر يعتقد أنّ الدبكة أبصرت النور في المشرق العربي خلال عملية بناء البيوت الطينية. كان من الضروري الدوس على الأسطح لمنع الطين من التشقق، فتجمع الأهالي لمد يد العون وإنجاز المهمة. فمن ظنّ أن حركة الدوس هذه ستتحول يوماً ما الى ما يعرف بالدبكة، العامود الفقري للفولكلور اللبناني؟ للحضارة الكنعانية أيضاً لمستها الخاصة في ظهور الدبكة. خشي الكنعانيون من تلف المحاصيل الزراعية لذا، أدّوا قفزات من أجل طرد الأرواح الشريرة وحماية المنتوج من الأذى، فشكل هذا التقليد انطلاقة لرقصة الدبكة
اللباس الخاص بالدبكة اللبنانية
يُعتمد اللباس اللبناني التراثي خلال تأدية رقصة الدبكة للحفاظ على روحها التقليدية. يرتدي الرجال شروالًا وقميصًا مع جاكيت مطرزة وللكوفية والطربوش ظهوراً لافتًا. أمّا النساء فترتدين في غالب الأحيان عباءة ملونةً أو سوداء اللون مطرزة بالخيوط الذهبية إضافة الى الطنطور وهو غطاء للرأس مخروطي الشكل. يعكس شكل وارتفاع الطنطور ثروة من ترتديه والطبقة الاجتماعية التي تنتمي اليها. يتعدد اللباس الخاص برقصة الدبكة فهو يختلف حسب المنطقة ونوع الدبكة
أنواع الدبكة اللبنانية
من ميزات الدبكة اللبنانية، تنوعها من منطقة الى أخرى. تعتبر دبكة "الدلعونة " او "الشمالية" الأكثر انتشارًا في البقاع وجبل لبنان. يتمتع هذا النوع من الدبكة بإيقاع متوسط كما أن اسمه، "الدلعونة"، يحتوي على خبايا الزمن القديم. يقال إن "الدلعونة" كلمة سريانية الأصل وتعني "مدّ يد العون" كما انها تتألف من قسمين: حرف الدال وهو "ال " التعريف في السريانية و"عونة" أي المساعدة. كان السريانييون ينادون "دلعونا" لطلب المساعدة من أهل القرية وعند الانتهاء من عملهم تلونت أوقاتهم بالدبكة وأغاني الدلعونة. للدبكة أنواع أخرى مثل: "الغزيل"، و"الهوارة"، و"البدوية" ولكلّ منها حضور مميز في الافراح
رمزية الدبكة اللبنانية
تحت جنح رقصة الدبكة تكمن روح الشعب اللبناني الفريد. مع كل حركة يؤديها راقص الدبكة تروى قصة هذا الشعب الحي. الدبكة تجسيد للتضامن، فكلما زاد عدد الراقصين ازدادت الدبكة سحرا وجمالا وكلما تشابكت الايدي انعكس حب المشاركة والتعاون فيما بينهم. الشعب اللبناني يحب الحياة ودبكته هي كل ما يحتاج للتعبير عما في داخله. في الحفلات والاعراس للدبكة حضور خاص ومن المستحيل الجلوس جانبا ومشاهدة الرقصة لأن لحن أغاني الدبكة لم تفشل يومًا في جذب كل الحاضرين، كبارًا هم أو صغارًا، لخوض التجربة الحماسية
صحيح أن الدبكة معروفة حول العالم بأنها جوهرة الفولكلور اللبناني وكلما ذكر اسمها تغزو صور الراقصين والازياء الخلابة مخيلة المشاهدين . كما وُضِعَتْ كلمة "دبكة" كاسم بسكويت محشو بكريمة الحلقوم أو الليمون ليعيد الى كل من يتناوله طعم الأيام الجميلة ويذكره بغنى وجمال تراث الوطن الحبيب
أمام كل محاولات الثقافات الغربية لتهميش عادات الشرق تبقى الدبكة اللبنانية متمسكة بمكانتها المرموقة، موثقة علاقتها بأرض لبنان أكثر فأكثر