En | Ar

التاريخ الفلسطيني قبل النكبة

عبر تاريخها الطويل، عاشت المنطقة الفلسطينية حقبة تاريخية طويلة بدأت مع أولى الهجرات البشرية،  من هجرة الكنعانيين وصولًا إلى سيطرة الإمبراطورية العثمانية وسقوطها بعد الحرب العالمية الأولى. في أعقاب تقسيم المنطقة العربية شرق المتوسط وفقًا لاتفاقية سايكس-بيكو، تمت السيطرة على فلسطين من قبل الانتداب البريطاني. هذه الفترة تمثل مرحلة مهمة في تاريخ فلسطين، حيث شهدت العديد من الأحداث التي أثرت بشكل كبير على مسارها. فتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يبدأ فعلياً مع إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948، بل سبقته أحداث مهمة جداً شكلت القاعدة الخصبة لهذا الصراع

   بعد فترة من الاضطهاد والظلم التي عاناها اليهود في أوروبا، خاصةً مع تصاعد القومية في بلادهم، بدأوا التفكير في الهجرة ومغادرة هذه الدول. في عام 1896، ظهر ثيودور هرتزل، كاتب نمساوي يهودي، وألف كتابه "الدولة اليهودية" الذي دعا فيه إلى إنشاء وطن قومي لليهود. اقترح هرتزل أربع دول محتملة لتكون موطنًا لليهود، بما في ذلك فلسطين. بالرغم من وجود تأييد سابق لفكرة دولة قومية لليهود، فإن طرح هرتزل في توقيت مناسب ساهم في تأسيس الحركة الصهيونية. تأثر اليهود بهذه الحركة لاعتقادهم بأن فلسطين هي "أرض الميعاد"، وبدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين بشكل متزايد. هذه الهجرات تسببت في تغيير كبير في ديمغرافية المجتمع الفلسطيني، حيث أصبح عدد اليهود قبيل انتهاء الانتداب البريطاني يشكل نسبة كبيرة ذات تأثير واسع في فلسطين

   قبيل الضعف الكبير الذي ضرب الامبراطورية العثمانية وبعد انهزامها في الحرب العالمية الاولى، تفرغ الحلفاء لتقسيم المنطقة العربية. تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، بالإضافة الى وعد بلفور الداعم لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، اصدرته بريطانيا عام 1917 والذي تحول بعد عقد مؤتمر سان ريمو من خطاب النوايا الحسنة إلى وثيقة قانونية في لوائح الانتداب البريطاني على فلسطين. وفقا للبروفيسور والمؤرخ الاسرائيلي-البريطاني المناهض للصهيونية افي شلايم في  حواره مع موقع ميدان| الجزيرة نت : هذا الوعد وثيقة مهمة خصصت فيه بريطانيا الحق السياسي لتقرير المصير الوطني لليهود وحرمت الفلسطينيين منه مع العلم ان اليهود شكلوا حينها 10 % فقط من السكان، فيما شكل العرب 90%، وما امتلكه اليهود حينها لا يتجاوز 2% من الارض 

خلال فترة الاستعمار الإنجليزي في فلسطين، قدمت بريطانيا دعمًا كبيرًا لليهود لشراء الأراضي وبناء المستوطنات، وأصدرت العديد من المراسيم التي منحتهم سيطرة أكبر على الأراضي. هذا الدعم الواسع أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الوافدين اليهود، مما أحدث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية لفلسطين. تفاقمت الاضطرابات والصراعات بين الطرفين  ، حيث شعر الفلسطينيون بالتهديد لمجتمعهم .استجابوا بتنظيم احتجاجات ومؤتمرات محلية، وشنوا انتفاضات رافضة للاستيطان اليهودي، منها ما حدث في يافا في نيسان 1920. قابل اليهود هذه الاحتجاجات بتشكيل عصابات وتنظيمات تطورت لاحقًا لتشكيل الجيش الإسرائيلي. دعمت بريطانيا هذه العصابات اليهودية بكل السبل الممكنة، وأقدمت على اضطهاد الفلسطينيين وتعطيل احتجاجاتهم، بما في ذلك طردهم من أراضيهم,هدم قراهم ومنازلهم ,ارتكاب المجازر وكل انواع المظالم بحقهم 

     بدأت سلسلة من الهجمات الصهيونية على البريطانيين في تل أبيب والقدس في حزيران 1946،  بسبب  اعتقال  اليهود من قبل الحكومة البريطانية. ردًا على ذلك، أصدرت بريطانيا كتابًا أبيضًا اتهمت فيه الوكالة اليهودية بـ "أعمال إرهابية". خلال هذه الفترة بدأت الولايات المتحدة تظهر كلاعب رئيسي على الساحة الدولية , التي اعربت عن دعمها الكامل لمشروع الاستيطان الصهيوني وتأييدها لتقسيم فلسطين.  عام 1947 أعلنت بريطانيا نقل قضية فلسطين إلى الولايات المتحدة, وأسست الجمعية العامة لجنة خاصة تعرف بـ "اليونسكوب"، التي قررت تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية على ان توضع القدس تحت الوصاية الدولية.تلاها أعلان بريطانيا نهاية الانتداب في نيسان 1948 وتسليم فلسطين إلى الولايات المتحدة واعلان قيام دولة اسرائيل    بإعلانها نهاية الانتداب ,تركت بريطانيا وراءها، عددًا من المجازر وآلاف الضحايا، ناهيك عن أعداد أخرى من الفلسطينيين الذين سُجِنوا وتهجَّروا، بالإضافة إلى قمعها للثورات الفلسطينية المحقة، مثل ثورة البراق وثورة القسام. دمرت بريطانيا الشعب الفلسطيني، هدمت أرضه، ووهبت أنقاضها لليهود الصهاينة. قبل دخولها فلسطين، كان عدد اليهود يُقدَّر بحوالي 50 ألفًا، وأصبحوا، بفضلها، 650 ألفًا مع حلول العام 1948. في عام 1918،  كان عدد الأراضي التي يملكها اليهود حوالي 2% من فلسطين، ارتفعت إلى 8% مع حلول عام 1948. إن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي نعيش نتائجه من بدايته حتى الآن، لا يمكن فهمه من دون فهم الدور البريطاني فيه. وكما قال ستيفن وايز في لقاء جمع كبار القادة الصهيونية في نيويورك: "وجود فلسطين عربية هو تهديد لبريطانيا العظمى، أما وجود فلسطين يهودية هو مكسب لبريطانيا العظمى وبركة للعالم". وذكره لبريطانيا هنا له أسباب، فقيام إسرائيل مرتبط في أساسه بالدعم البريطاني الذي ذكرناه حتى من قبل وعد بلفور، فقد سبقه سلسلة طويلة من التخطيط لقيام هذا الكيان المزعزع لاستقرار الشرق أولاً والعالم ثانياً                               

PARTAGER