En | Ar

بموقعها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وبتاريخها الممتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، كانت طرابلس منارة التقت فيها الحضارات واجتمعت عندها الثقافات المختلفة والأعراق المتنوعة. تركت كل حضارة مرت على طرابلس أثرا وبصمة تتجلى بمعلم تراثي أثري، ومن أبرز هذه المعالم قلعة طرابلس التي تقع على ضفة نهر قاديشا وتشرف على كافة أنحاء المدينة كجزء من سلسلة حصون وأبراج كانت تحيط بالمدينة. تعرف أيضاً بقلعة "سان جيل" نسبةً للكونت الصليبي وحاكم طرابلس وأحد قادة الحملة الصليبية الأولى "ريمون دي سان جيل" ،أو بقلعة الصليبيين الذين اتخذوا منها مركزاً لحملاتهم العسكرية. أمّا حقيقة بنائها فعكس ما نعتقد تماماً. فقد تمّ بنائها في القرن العاشر على يد الأمير "بدر بن عمّار" الذي قاتل سنين ضد الصليبيين، على أشلاء أول حصن عربي بناه القائد الصحابي "سفيان بن مجيب الازدي" وذلك حين أتى لحصار طرابلس في أوائل عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" حوالي سنة 25 للهجرة. ثم بعد دخول الصليبيون مدينة طرابلس فقد سيطروا على القلعة لِيتم توسيعها وإعادة تحصينها. لكن لم تسلم هذه القلعة من الدمار ،فقد أحرقها المماليك عام 1289م ثم أعيد بناؤها بين 1307م و1308م على عهد الأمير أسندمير كورجي، حاكم المدينة ونائب السلطنة آنذاك .رُمِّمَت عام 1521م في عهد السّلطان سليمان القانوني. وفي أواخر الحكم العثماني حَوَّلها الأتراك إلى سجنٍ

تعتبر قلعة طرابلس أكبر قلاع لبنان بعد قلعة بعلبك، مستطيلة الشّكل ومتعدّدة الأضلاع، يبلغ طولها من مدخلها الشّمالي إلى أقصى طرفها الجنوبي 136 مترًا وبعرضٍ متوسطيٍ يصل إلى 70 مترًا. والمدهش أحجام حجارتها التي قد تصل إلى طول 90 سنتم وارتفاع 40 سنتم ينقش على البعض منها رموز صليبية، وهي حجارة رملية ناعمة تشبه حجارة أكثر المدن في ساحل البحر المتوسط، من غزة إلى الإسكندرية. أمّا تحصينها فمؤلف من خندقٍ وسلسلة أبراجٍ وحجبٍ، هي مكونة من خمسة وعشرين برجًا وحاجبًا تتراوح سماكتها بين السّتة والسبعة أمتار. بما أنها مجهزة بفتحاتٍ للمدافع وبمزاغل كان يستخدمها المحاربون لرمي السهام على المهاجمين. عَددُ فتحات المدافع في هذه القلعة يتجاوز العشرين، وعدد مزاغلها يتجاوز السّبعين. ويذكر "فؤاد أفندي ذوق" أنه وجد سنة 1910م ما يزيد عن الـ 400 مدفع من النّحاس أُرسِلَت إلى ألمانيا للصّب ثانيةً. ويبلغ ارتفاع أسوار هذه القلعة بين 5 أمتار و19 مترًا. في القلعة باب كبير، وبابان صغيران يكادان يكونان خفيين: الواحد في أسفل البرج الثاني عشر، والآخر في قاعدة البرج الثاني والعشرين. يُحكى عن وجود مجموعة سراديب سرية وأقبية محصنة تقود المرء من داخل القلعة إلى خارجها. كما يتداول بين كبار السن من سكان المدينة أن هناك نفق يربط الشاطئ بالقلعة حيث كان الجنود ينتقلون من السفن إلى القلعة دون أن يلاحظهم أحد. أمّا في داخلها مجموعة من الغرف والأروقة والأدراج المشيدة بشكل عشوائي مثير للعجب، وفي آخر الساحة تقبع النواويس، إضافة إلى متحف للآثار القديمة

PARTAGER