"العقل السليم في الجسم السليم" وصفةٌ سحريةٌ للعيشِ في النعيم، تُجَنّبُ الوقوعَ في مرضٍ أَليمٍ. تناقَلَ هذا المثَلُ الشائِعُ من جيلٍ إلى جيل لتقديم النصائِح لمَنْ يميل إلى التَقليل من أهميةِ الصحةِ الجسدية مقارنةً بنَظيرَتِيْها العقليةَ والنفسية
أبرز عنصرٍ للوصفةِ السحرية يكمن بممارسة رياضةٍ جسدية معتدلة تبعد الأذية. فكَيْفَ يؤثِّرُ الاهتمام بالصحةِ الجسديّة على تجنّبِ الأمراض؟ وكيفَ تؤثّرُ الصحة الجسدية على كلّ من الصحة النفسية والعقلية؟
في ارقامٍ نشرتها منظمةُ الصحةِ العالمية، نسبةُ المراهقين الذين لا يمارسون النسبة الكافية من الحركة البدنية في العالم تَصِلُ إلى معدّل ٨١٪ في العام ٢٠١٦. تختلف هذه النسب بين الدول وبين الجنسين (انظر إلى الجداول المرفقة). هذه النسب هي للمراهقين الذين لا يمارسون ٦٠ دقيقة من الحركة يومياً
يُمَثِّلُ الخمول أحد أهمِّ العوامِل المؤدّية إلى الوفاة جرّاءَ الإصابة بالأمراضِ غير المعدية. استنادا إلى منظمة الصحة العالمية، فإن خَطَرَ الوفاة أعلى بنسبة ٢٠ إلى ٣٠٪ عندَ الأفراد الذين لا يمارسون حركَةً بدنيةً كافية مقارنةً بالآخرين
يأتي هذا الرقم نتيجةَ تأكيد الجهاتِ الصحيّة على دور الحركة البدنيّة في الوقاية مِنَ الأمراضِ غير المُعدِيَة كأمراض القلب والشرايين وداء السكري "النوع٢ “إضافةً إلى مرض السرطان على وجه الخصوص سرطان الثدي و سرطان القولون
السكري من النوع ٢هو اضطراب في استخدام الجسم للأنسولين يتسبب في زيادة مستويات السكر في الدم. إن فقدان الوزن الناتج عن الأكل الصحي وزيادة النشاط البدني يمكّن خلايا العضلات من استخدام الأنسولين والجلوكوز بكفاءة أكبر، وبالتالي تقليل خطر الإصابة بالسكري. يمكن أن يؤدي عدم ممارسة الرياضة إلى فقدان خلايا العضلات حساسيتها للأنسولين الذي يتحكم في مستويات السكر في الدم
أما بالنسبة إلى أمراض القلب والشرايين، فإن النشاط البدني يحسن توسُّع الأوعية الدموية، لِيدورَ الدم في الشرايين بشكل أفضل. تساعد الرياضة على منع تكون الجلطات في الشرايين من خلال خفض مستوى الكولسترول "الضار" ومستوى الدهون الثلاثية وزيادة مستوى الكولسترول "الجيد"
أهميّة الحركة البدنيّة لا تقتصر على مفهوم الوقاية فحسب، بل تمتد فائدتها إلى مساندةِ المرضى المصابين بداءٍ مُزمِن. بناءً على دراسات، نَشَرَ المَعهَدُ الوطني للسرطان في فرنسا كتابًا حول آثار الحركة البدنيّة على مرض السرطان. أكّد المعهد ان الحركة تؤمن تحسناً على صعيد تحمّل آثار العلاج إضافةً إلى أملٍ بتمديد الحياة وإنقاص خطر عودة السقم بحال الشفاء. من الجدير بالذِكْرِ أنه في هذه الحالة تختلف نوعية التمارين مع الإشارة إلى وجود حالات قد تمنع من ممارسة الرياضة. في النهاية يعود قرار السماح من عدمه إلى الطبيب صاحب الاختصاص
للصحَةِ الجسدية مفعولٌ حَتْمي على الصحةِ النفسيةِ والعقليّة. هذه العلاقة المتلاحمة ليست سوى نتيجة لآليات بيولوجية مترابطة. فإن الرياضة تُحفِّزُ إِفراز النواقل العصبية المختلفة ، بما في ذلك الأمينات الأحادية والإندورفين. من المعروف علمياً أن المونوامينات مضادةٌ للاكتئاب ولها وظيفتها في تنظيم المزاج. كما أنهُ من المعروف أن الإندورفين يقلل الألم ويحدُّ من الآثار الضارة للتوتر
علاوة على ذلك فإن الحركة تزيد من درجة حرارة الجسم وتعزز الدورة الدموية في الدماغ ما له تأثير على التنظيم الهرموني مقللاً بذلك التوتّر
بما أن ممارسة الرياضة البدنية والنوم مرتبطان ارتباطاً وثيقاً نسبةً إلى دوريهما في الحفاظ على القلب والقالب تجدر الإشارة أن الرياضة تعزز نوعية النوم مما يولد آثار على نسبة القلق والتوتر
نُقِلَ عن الفيلسوف اليوناني القديم آرسطو القول الشهير "الحفاظ على الصحة يُعدّ أساس الحياة السعيدة". فماذا لو كانت هذه الصحة نتيجة مباشرة لنمط الحياة؟ هذه النقطة ترسم معالم الحياة بكل أبعادها رسمًا واضحًا يلخِّصُ كلَّ ما ذُكر أعلاه. نمط الحياةِ الصحي يعزِزُ الصحة الجسدية التي لا يمكن فصلها عن الصحة النفسية والعقلية، فيُكَوَّن بذلك ركيزةً من ركائز السعادة. وكما ذُكر : "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، اعتنوا بصحتكم منذ هذه اللحظة