من منكم حكايته تشبه حكايتي؟
عدتُ إلى لبنان،
بعد سبعة عشر عاماً على التخرّج من كليّة الإعلام، بعد سبعة عشر عاماً من الزواج وتأسيس عائلةٍ أفخر بها واهتمّ لها وأعيش من أجلها.
بدأ الحلم المستجدّ يصبح واقعاً أعيشه.
عدتُ إلى لبنان لِأجلس من جديد على مقاعد الدراسة.
ودخلتُ إلى مدرسة الترجمة في جامعة القديس يوسف بهدف إضافة أرصدة عديدة وجديدة إلى سجلّي التعليمي.
سأعترف لكم بسرٍّ خاصّ، أشكُّ بأن تنالوا ترف قراءة سرّ على شاكلته إلّا نادراً: في اليوم الأول الذي دخلت فيه الجامعة، كنتُ على ثقةٍ كبيرة بأنني أستطيع أن أخفي عمري ولكني اكتشفت بأنّ القطار فاتني وأنا ما زلت واقفةً مكاني مستغربة كيف استطاعوا أن يقرأوا عمري وأن يعرفوا بأني "مدام".
كنتُ أعود كلّ يوم إلى البيت وانظر في مرآتي لأتبيّن ما الذي تغيّر ولم ألحظْه، فلا أستطيع!
هل هي مغالاةٌ في الثقة بالنفس أم رفضٌ لعمرٍ يمرّ لا أتذكره إلّا عندما أنظر إلى أولادي، أنا تلك الفتاة التي ما زالت كلّ أساليب حياتها وهندامها من الجينز إلى التيشرت مروراً بطريقة التفكير وصولاً إلى القلب، تدلّ على انتمائها لجيلٍ آخر وعمرٍ افتراضيّ آخر؟
لا يمكن أن أنسى اليوم الأوّل، كانت الحصّة الاولى في القاعة ٦٢٠. جلست في جهةٍ والأخريات في جهةٍ أخرى. تمنيّت لو أستطيع قراءة نظراتهنّ وتساؤلاتهنّ. تمنّيت لو أستطيع أن أسمع الأحاديث الجانبيّة التي دارت بينهنّ.
أيّام قليلة وانكسر الحاجز بيننا، تعارفنا وتبادلنا الأحاديث، وأصبحن يعرفن عن أخبار سلام وخططه الجامعيّة، وغدي وقصصه الهوليوديّة، وجود وأخبار "صغير البيت".
بفضل من، لا أدري تحديداً!
ولكن، ما أنا على ثقةٍ منه هو أنّ نجاح العلاقات الاجتماعيّة وليد جهد الأطراف مجتمعة.
ما أعرفه أنّ الحياة كانت كريمة معي ووضعت أمامي قلوباً محبّة وصافية، لكلّ منها إمضاءً خاصّاً في سجلٍّ لم يتجاوز عمره السنتين.
فكما لكلّ مترجمة محرّرة في الدفعة ٢٠١٩ أسلوبها، كذلك لها بصمتها في ذهني وقلبي.
أنا من نضجتْ كفاية على عمر الأربعين لتتفوّق عليهنّ بأشواطٍ في مدرسة الحياة.
اسمحوا لي أن أعترف لكم بأمر آخر: هل تعلمون أنّه وكما للتقدّم في العمر سيئات كذلك له حسنات كثيرة؟
للمصعد كلّ يومٍ ألف حكايةٍ وحكاية، زميلاتي يستفدن من تواجدي وينتظرن خلفي بغية الصعود ورائي، أنا من أعامَل على أنّي وبلا شك، مدرّسة أم موظّفة، عداك عن نظرات الآخرين، فالطلّاب يفسحون لي الطريق والموظّفون يبتسمون لي وأقرأ على وجوههم علامات الاستفهام والتساؤل.
وعندما أكون على عجلة من أمري وأقصد المكتبة للطباعة أجد معاملة خاصّة وسرعة في الخدمة.
حتّى موظفة الكافتيريا لا ترحمني وتناديني دائماً قائلةً: "تفضلي مدام".
وبين المزح والجدّ واللذة والتعب، مرّت السنتان.
ستنتهي حكاية ويبقى في ذهن من سيقرأ سطورها، والأهمّ في ذهن من سيقرأ بين سطورها، عمر كتبتْه تلميذة أربعينيّة وتجربةٍ خطّتها بمثابرة وعزم، لتبدأ حكايةً جديدة في زمنٍ ما وفي مكانٍ ما...
Suzanne Ghanem
M4- Traducteurs Rédacteurs