صدر الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان في ١٠ كانون الأوّل ١٩٤٨، وكان أوّل وثيقة قانونيّة معنيّة بحقوق الإنسان العالميّة. أين أنت يا لبنان ممّا يُسمّى بالشّرعة الدّوليّة لحقوق الإنسان؟
نشهد اليوم وباءً اجتاح العالم بأسره، وباء سُمّي بـ كوفيد-١٩-، وباء تعاملت معه الدّول والمنظّمات العالميّة بشدّة وحذر، وما زالت تنقّلات الفيروس وتبدّلاته وتنوّع عوارضه تثير حيرتهم، بتنوّع الإصابة والمصابين.
لنتكلم اليوم عن لبنان، عن الدّولة الّتي تفرّدت بجهودها للحدّ من انتشار ذلك الفيروس ، واعتُبرت من أكثر الدّول نجاحًا في مواجهته. بالمقابل، كان المواطنون يحاولون الاعتياد على حياتهم الاجتماعيّة والنّفسيّة الجديدة، حياة باتت في بادئ الأمر للبعض مريحة، فكانوا يحتاجون فعلًا إلى تباعد مجتمعيّ لاستعادة أنفاسهم. ولكن، مع مرور أشهر من التّجديد الحياتيّ، تعبئات الحكومة اللّبنانيّة ما عادت تُعَدّ تعبئة إنسانيّة، خصوصًا بعد انفجار ٤ آب وما خلّفه من مصائب وكوارث ومآسي!
لم نجد في أيّ تعبئة استثناءات خاصّة لحماية الجيش وقوى الأمن والطّواقم الطّبّيّة، الّتي إذا أُصيبَت، تهزّ كيان البلد. أكثر ما لفتنا، سماع أخبار وتأكيدات بأنّ هذه الفئات وُضعت تحت نظام احترازيّ مُشَدَّد ! هل نُفّذَ على الصّعيد العامّ؟ أم بات أسير المحسوبيّات والمناطقيّة؟
عدا عن ذلك، كيف لنا أن نستثني فئات أساسية في المجتمع من دون رفع ميزان العدالة المجتمعيّة بفئاته كافّة، ومسك الطّرف الموازي لها وهي"عوائلهم"؟ ألا تحتاج العائلة إلى متابعة صحّيّة؟ كيف ستتصرّف الأمّ أو سيتصرّف الأب في غياب أحدهما مع الأطفال؟
لو أخذنا مثالًا من حياتنا الواقعيّة عن أمّ تحتاج إلى صور أشعّة لمتابعة حالة صحّيّة معيّنة، وأطفالها تحت العاشرة، أين تتركهم ؟ كيف ستصحبهم معها؟ وما المخاطر الّتي ستواجهها وإيّاهم؟
إضافة إلى الوضع المادّيّ، إنّ هذه الفئات تحتاج أكثر من غيرها إلى مستلزمات للحماية من الكوفيد-١٩-، إنّها فئات متنقّلة يوميًّا، متحرّكة، لا تدخل ضمن أي تعبئة ولا تُحسَب من المواطنين الّذين يحمون أنفسهم في أثناء التّعبئة العامّة. من يدعمهم وعوائلهم مادّيًّا؟ هل بإمكانهم تحمّل كلفة الحماية الباهظة؟
زد على ذلك الحقّ الأسمى وهو التّعلّم. كيف يتعلّم أبناؤهم؟ من يبقى معهم في المنزل؟ من يُرسلهم إلى المدرسة؟ من يتكفّل بهم وباحتياجاتهم مع كلّ الضّغوطات السّابقة؟ فهؤلاء يحتاجون إلى مربّية أو أمّ غير عاملة، يحتاجون إلى مصاريف خاصّة كونهم ينتمون إلى أفراد يتعرّضون يوميًّا لخطر الإصابة، يحتاجون إلى دعم معنويّ وإلى دعم نفسيّ خاصّ. لم نحصل حتّى اللّحظة على حلول جذريّة لهم، إنّما تحيطهم أجواء جامعة تحطّ في تحقيرهم وتحجيمهم، ورمي المسؤوليّة الدّائمة عليهم.
هؤلاء نسبة ضئيلة من الفئات المستثناة، الّتي، ولو حسبناها جميعًا مع عوائلهم لَصُدمنا حتمًا بالأعداد المتراكمة الّتي تُعاني من خطر الإصابة بالكوفيد من جهة، ومن خطر تأثير التّغيُّر المجتمعيّ على حياتهم من جهة أخرى. من سيحمي الأمّ من التّنمّر والجهل كونها ارتأت أن تحمي عائلتها؟ هل سيصيب من جديد لقب "ربّة منزل" الحقّ الأنثوي؟ أم سيتحوّل إلى مفخرة ومعزّة في حاضرنا؟ أمّا الرّجل الّذي ضحّى بوظيفة أو بأخرى، ما سيكون مصيره العمليّ المجتمعيّ؟ أسيُعاني من هرطقة الجهالة؟ أم سيتخطّى أزمته بعزّة؟ والطّفل، الطّفل الّذي حُرم من حقّ الحماية في ظلّ التّعبئة من جهة، وحقّ المتابعة الصّحّيّة والرّعائيّة من جهة أخرى؟ أين حقّه في الحياة؟!
الجهاز الطّبّيّ والعاملين في المستشفيات، والجيش، والقوى الأمنيّة كافّة، هم الأكثر عُرضة للاحتكاك بالمُصابين، وهم خارج دائرة الحجر. ماذا فعلتم كدولة لحماية عائلاتهم؟ هل من حماية فعليّة لهم؟ ما المساعدات الماليّة لهؤلاء؟
إلى جانب الحلول الّتي قدّمتها الدّولة في ظلّ التّعبئة، نقترح ما يلي: أن تُساعد عوائل هؤلاء أقلّه بتأمين الموادّ المعقّمة اللّازمة، وبتسريع إجراء الفحوص المجّانيّة السّريعة Rapid test، عند الشّكّ بأي عارض بالإصابة، وإذا تأكّدت الإصابة نقترح تأمين فحوص مجّانيّة لأفراد العائلة ومعالجة كيفيّة إجرائها فيما يخصّ التّنقُّل، فإصابة عسكريّ تنقل العدوى إلى عوائل كثيرة...
هؤلاء يحتاجون فعلًا إلى خلية أزمة تدعمهم وتدعم عوائلهم في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة الاجتماعيّة النّفسيّة الصّحّيّة المتردّية.
مَن الجهات المسؤولة عن هذا التّدهور المجتمعيّ؟ وهل ستتحمّل مسؤوليّاتها كافّة للحضّ منه؟ أم ستكتفي بشعاراتها الباهتة؟
أين أنت يا شارل مالك لتصوغَ إعلان حقوق اللّبنانيّ لعام ٢٠٢٠؟ آخ يا شارل! غَرقَ لبناني بين الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، والحقوق المدنيّة والسّياسيّة! لُبناني توانى عمّا يُسَمّى بالشّرعة الدّوليّة لحقوق الإنسان!