هل رهان باسكال أن المؤمن بالله فائز دائمًا كافٍ لاقناع الملحد بالإيمان؟

Ahmad SAATI
Samedi 05 décembre 2020
Organisateurs


إن موضوع وجود الله من أبرز الأسئلة التي نسألها في حياتنا وهو أساس دياناتنا ، وهو أساس النزاع بين الإيمان والإلحاد.  ذكر  تاريخ الفلسفة الكثير من الأدلة الداعمة لآراء  كلا  الطرفين. ولعلّ رهان الفيلسوف بليز باسكال (١٦٢٣-١٦٦٦) من أهم الأدلة التي تذكر في الدّفاع عن وجود الله، ولكنه أيضا من أكثرها انتقادًا. 

يخبرنا الرّياضيّ والفيلسوف الفرنسي الشّهير في الجزء الثّالث من كتابه الأفكار، أن أمامنا إحتمالين ممكنين: إما أن يكون موجودًا، فإذا آمنّا به نربح ربحًا غير محدود في الجنة، وإذا أنكرناه خسارتنا غير محدود، أو أن لا يكون موجودًا، فإذا آمنّا به خسارتنا محدودة دنيوية وإذا أنكرناه كسبنا أرباح دنيوية. فهل يكفي هذا الإيمان لإقناع ملحد أو شخص غير متأكد من وجود الله؟

إن هذا الرهان تعرض لانتقادات عديدة. أولها وأبرزها تأتي من باقي المؤمنين. فالإيمان لا ينبغي أن يكون سطحيًا لهذه الدّرجة، ويقول أغلب المؤمنين الذين سألتهم أثناء كتابة هذا المقال أن الإيمان يجب أن يبتغى لذاته، وليس لأرباح وخسائر. ثمّ أنّ الإيمان شيء روحي وليس قرارًا عقليًّا. ثمّ أن الإيمان يجب أن يكون اعتقادًا أكيدا، وليس رهانًا ظنّيًّا. حتمًا، إيمان الرهان هذا سيكون سطحيًا إذا اصطنع ولن يكون أفضل من الإلحاد.

وتأتي المجموعة التّالية من الانتقادات من أن باسكال يدعو إلى المسيحيّة الكاثوليكية تحديدًا، فهذا الرّهان إن كان كافيًا للإيمان باله لا يقنع بالمسيحية ولا بالإسلام ولا بأي ديانة توحيدية أخرى بل هو مفتوح لكل الأديان التي تفترض قوة عليا تكافئ على الإيمان. فلا مانع من أن يقودني هذا الرهان إلى الهندوسيّة أو أن أؤمن بإله من عندي يشبه وحش طائر من المعكرونة! وحتّى لو قادني إلى الإيمان بالله، فهل هذا الإيمان يكفي إله الإسلام والمسيحية اللذَّين يقولان بأركان يجب الإيمان بها غير الإله نفسه--كالقرآن والأنبياء والثالوث؟ فهذا الرهان لا يؤكد إنجيلًا ولا توراة.

ثم ماذا لو كان هذا الإله الإفتراضي لا يحاسب أصلًا؟ أو ربما هذا الإله لا يأبه بالإيمان به، ويحاسب فقط على الأعمال الخيّرة. وإن كان لا يهمه الإيمان، يبرز رهان مضاد: إذا كان هذا الإله موجودا أم لا، لن يخسر الملحد شيئا--لأنه كان خيرًا. أما المؤمن لن يكسب شيئا لأنّ هذا الإله لا يريد الإيمان، فإذا كان موجودًا لا يكسب وإن لم يكن موجودًا لا يكسب. عندها يتبين أن الملحد يربح في الحالتين. ومجرّد إمكانية وجود رهان الملحد ممكنًا بنفس القدر من الإمكانيّة المنطقيّة يضعف قوة رهان باسكال.

ختامًا، إن الإيمان بحد ذاته أكثر من رهان عقلي. العلم لا يثبت الله، فإذا آمنت، رأيي أن تؤمن لعلاقة روحية تربطك بمن تؤمن به وهذا خير وأعظم من إيمان سطحي بسبب بغيتك للربح. وإن كان إيمانك رهانًا كرهان باسكال، رأيي أن تراجع نفسك مجدّدًا.