واجه قطاع التعليم في لبنان معضلة، لم يكن مستعدًا لها في بعض مؤسّساته، فرضتها ظروف الحجر الصحّي. جامعة القدّيس يوسف في بيروت استطاعت وبسرعة أن تتأقلم مع الواقع الجديد، وأمّنت مئات الصفوف والمواد الدراسيّة عن بُعد. بالمقابل وحفاظًا على جودة التعليم بادرت دائرة التربية الجامعيّة في الجامعة إلى تقديم مجموعة ورش عمل موجهة إلى الأساتذة لتدريبهم على الطرائق والأساليب المناسبة التي تضمن هذه الجودة. البروفسورة ندى مغيزل نصر، مديرة هذه الدائرة والمسؤولة عن وضع هذا البرنامج شرحت لنا أهمية الورش، وتحدّيات التعليم عن بُعد كما إيجابيّاته.
تقدّم دائرة التربية الجامعيّة في جامعة القدّيس يوسف برنامجًا يضمّ عددًا من المشاغل تسلّط الضوء على الجوانب التربوية للتعليم عن بُعد، ما هي أهمية هذا البرنامج؟ وما هي أبرز الرهانات التي يرفعها؟
أطلقت دائرة التربيّة الجامعيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت برنامجًا تدريبيًا طموحًا حول "الجوانب التربويّة للتعليم عن بُعد" . يستهدف هذا البرنامج الأساتذة المتفرغين والمتعاقدين.
يقدّم البرنامج 21 ورشة عمل خلال هذه السنة، وجميعها عن بُعد، يؤمنها 18 مدرّبًا: 9 لبنانيين (أساتذة من جامعة القدّيس يوسف وخبراء من الوكالة الجامعيّة الفرنكفونيّة)، و9 أوروبيين من جامعات أوروبية مختلفة: لياج؛ لوفان؛ لوزان؛ فو و جنيف. تأتي هذه المبادرة لتكمل المبادرات التي تقوم بها وحدة التقنيات الحديثة للتعليم في جامعتنا.
إنّ الرهان الذي علينا أن نواجهه ليس فقط تأمين التعليم عن بُعد، إنما أيضًا تأمين جودة هذا التعليم. فمن الضروري أن نحترم خصوصيّاته، أن نواجه تحديّاته و أن نستفيد من قيمته المضافة. تودّ جامعة القدّيس يوسف تحويل المعضلة التي فرضها الحجر الصحي إلى فرصةً لتطوير جودة التعلّم عن بُعد وحضوريًا أيضًا، عندما تُتاح الفرصة للعودة إليه.
وما هي أبرز محاور هذا البرنامج؟
تتناول ورش العمل أربعة محاور حول التعليم عن بُعد: التصميم والتخطيط؛ طرائق التدريس وتقنياتها؛ مرافقة الطلاّب؛ وتقييم مكتسبات الطلاّب.
ما الذي يميّز هذا البرنامج، وما هي أبرز خصائصه؟
هذا البرنامج وكما تبيّن محاوره ليس مجرد تراصف لورش عمل تدريبيّة، بل صُمِم ليشكّل برنامجًا متناغمًا ولتكمل الجلسات بعضها البعض، ما يضمن تماسك المقاربات المقدّمة، ويعزز ثقافةً تربويةً مشتركة.
يشارك في هذا البرنامج عدد من الخبراء المحليين والعالميين. وهو برنامج حيّ ويتطوّر إذ ستضاف ورش جديدة إلى الورش الإحدى والعشرين السابقة، تبعًا للقييم وللتغذية الراجعة لدى الأساتذة والطلاّب.
تلي ورش العمل مواكبة فردية أو جماعية، عن بُعد أو حضوريًا، لكلّ من يرغب في ذلك.
يمكن أيضًا للأساتذة تبادل آرائهم، خبراتهم وأسئلتهم عبر منصّة إلكترونيّة استحدثناها لهذا الغرض.
كما أن بعض مواضيع الورش ستّضاف إلى دليل التربية الجامعيّة الخاصّ بجامعة القدّيس يوسف، الذي بدوره يتطوّر في كل سنة. تجدر الإشارة إلى توفّر هذا الدليل إلكترونيًا، وغالبًا ما ترجع إليه الجامعات الفرنكفونيّة في العالم.
هل علاقة هذا البرنامج بالحفاظ على الاعتماد غير المشروط الذي حصلت عليه جامعة القدّيس يوسف؟
نالت جامعة القدّيس يوسف في العام 2019 الاعتماد المؤسّسي وغير المشروط من واحدة من أهم الوكالات الدولية ACQUIN. يجب تجديد هذا الاعتماد كلّ 6 سنوات، فسوف يتعيّن علينا أن نظهر المبادرات التي قمنا بها للحفاظ على جودة التعليم وأن نبرهن أننا حافظنا على هذه الجودة. على أي حال نحن ننظر لعملية الاعتماد كرافعة للتطوير المستمرّ. الحفاظ على جودة التعليم والبحث وتطويرهما كان الهدف من عملية الاعتماد التي خضناها. لقد قمنا بمسار الاعتماد بهذه الروحية.
ما هي أبرز التحدّيات ونقاط القوّة في التعليم عن بُعد؟
التحدّيات عديدة. بعضها مشابه لتحدّيات التعليم الحضوريّ، لكنها تظهر بحدّة أشدّ في التعليم عن بُعد وتتطلّب استجابات محدّدة. على سبيل المثال، الحفاظ على تحفيز الطلاّب ومشاركتهم، سواء كان التعليم عن بعد أو حضوريًا، نحتاج إلى استخدام طرائق ناشِطة وتعاونيّة لتحقيق ذلك.
هناك تحدّيات خاصّة بالتعليم عن بُعد، منها مثلاً غياب التواصل غير اللفظيّ أو ضمان صحّة الاختبارات.
إن تدريب المعلمين ضروريّ ليس فقط لمواجهة هذه التحدّيات ولكن أيضًا للاستفادة من القيمة المضافة للتعليم عن بُعد وإثراء مروحة الممارسات التعلّمية. يوفّر التعليم عن بُعد مجموعةً غنية جدًا من الأدوات التي تتيح للطلاّب العمل وفقًا لإيقاعهم الخاصّ والاستفادة من موارد ذات إمكانات ضخمة.
إضافة إلى ذلك، يتيح التعليم عن بُعد الاستفادة من خبرات دولية واستقبال مجموعات جديدة يصعب عليها الحضور إلى الجامعة. كما يسهّل هذا النوع من التعليم إعادة النظر في هندسة البرامج من أجل تطويرها.
بناءً على خبرتك في مجال التربية والتعليم ، هل يمكن للتعليم عن بُعد أن يثري التدريس حضوريًا؟
نعم أعتقد ذلك. كانت هذه الأزمة فرصة لتنشيط أدمغتنا ودفعنا إلى أن نتجرّأ ونتبع مقاربات جديدة في التعليم والتقييم. كما هو الحال مع اكتساب أي تعلّم مهم، أربكنا في البداية، لكن من المؤكّد أننا لن نعلّم كما كنّا نفعل في السابق. لا شك ّ في أن التعليم الحضوريّ سيتأثر بشكل إيجابي من تجربة التعليم عن بُعد. على سبيل المثال، أصبحنا مدركين لأهمية تحضير سيناريوهات مدروسة للجلسات الصفية ، واللجوء إلى مقاربة الصفوف المعاكسة classes inversées، والتعلّم غير المتزامن، والاستخدام الأشدّ ذكاءً للجلسات المتزامنة عندما نكون معًا في الصف، واستخدام طرائق تقييم أكثر ابتكارا . ناهيك عن الفرص التي توفّرها التقنيات الجديدة لاستخدام أساليب نَشِطة وتشاركيّة ، ما يؤدي إلى تعلّم متعمّق.