لم تغب جامعة القدّيس يوسف يومًا عن القيام بمسؤوليتها الاجتماعيّة تجاه المجتمع اللبنانيّ، ومبادرة USJ en mission هي امتداد لمبادرات سابقة ومستمرّة قامت وتقوم بها الجامعة لتؤكّد على دورها الوطنيّ في إعداد المواطنين المسؤولين القادرين على إدارة شؤون المجتمع والبلاد بأفضل السبُل وأنزهها، وأشدّها علميّة وموثوقيّة وتطوّرًا.
منذ انتشار جائحة كورونا تحوّلت بعض أروقة الجامعة إلى خلايا نحل لا يتوقف العمل فيها: طلاّب، نشطون من مختلف الأندية الطلابيّة، من العمل الرعوي الجامعيّ، موظفون ومعلمون، اجتمعوا كلّهم تحت راية الجامعة لتعبئة الحصّص الغذائيّة وتوضيبها وتوزيعها، في أعمال تطوعيّة تنوّعت بين فرق تكرّست لجمع المال وتأمين الدعم اللوجستي وفرق أخرى للقيام بالأعمال المكتبيّة والإداريّة والاتصالات... المهم أن يعمل الكلّ، أن يُنجزّ.
وسط هذه الأجواء من الاندفاع والمجانيّة والعطاء، وقع انفجار 4 آب الذي كما أصاب بيروت في مقتل، أصاب الجامعة في الصميم: تضرّر أساتذتها وطلاّبها، في أرواحهم وبيوتهم وممتكلاتهم، كما تضرّرت مبانيها وأحرامها الموزعة في بيروت وكذلك أبنيتها التراثيّة الحمالة لإرث الثقافة والتاريخ.
اليوم ولمناسبة إطلاق الجامعة موقع إلكترونيًا مكرّسًا بالكامل لـ USJ en mission حاليًا باللغة الفرنسيّة على أن تتبعه النسختان الإنكليزيّة والعربيّة، التقينا المرشد العام لجامعة القدّيس يوسف والمسؤول عن النشاطات الاجتماعيّة فيها الأب جاد شبلي اليسوعيّ فتحدّث عن أهمية، ودور وأهداف هذه المبادرة وما سبق أن تمّ إنجازه.
شرح الأب شبلي ظروف ولادة مبادرة USJ en mission أي ما يمكن ترجمته بـ"الجامعة اليسوعيّة في رسالة أو في مهمة" بأنها بدأت مع حملة "كتفي بكتفك" التي رعتها دائرة الحياة الطلابيّة بعد أن أطلقها النادي العلماني في جامعتي القديس يوسف في بيروت والجامعة الأميركية في بيروت لتأمين 2150 حصّة من المواد الغذائية للعائلات الأشدّ حاجة، في أواخر شهر آذار بداية نيسان 2020، ووجهت الدعوة إلى سائر النوادي في الجامعة اليسوعيّة لدعم هذه المبادرة وتوزيع الحصص الغذائيّة على العائلات التي تأذت من هذه الظروف الاستثنائية نتيجة جائحة كوفيد 19 وإجراءات العزل والإقفال. "في شهر حزيران انتقلت هذه المبادرة إلى المرشدية العامّة في الجامعة التي نسّقت مع مختلف الأطراف العاملة ضمن هذه المبادرة وهي دائرة الحياة الطلاّبية، وعملية اليوم السابع، ودائرة الموارد البشرية، وبعد انفجار 4 آب أخذنا القرار بتوسيع مهامها وكذلك عدد العائلات المستفيدة من مساعداتها، خصوصًا العائلات المتضرّرة من الانفجار، بداية ضمن أسرة الجامعة، أي الأساتذة والطلاّب والموظفين، بعدها نزلنا إلى الأحياء المنكوبة حيث توزعنا المهام الجديدة، إلى جانب متابعة توزيع الحصص الغذائية التي استمرينا بتأمينها مع زيادة عدد العائلات المستفيدة والمناطق التي وصلنا إليها".
عن طبيعة الأعمال التي قامت بها الفرق التابعة لـUSJ en mission قال الأب شبلي:"توسّعت المهمات وفقًا للحاجة، فكانت فرق تحضّر السندويشات، وثانية تعدّ الوجبات الساخنة، وثالثة تحضّر الحصص الغذائيّة، وفرق توزع الطعام والأدوية، وفرق أخرى تزور الأشخاص الذين بحاجة إلى زيارة، وأخرى تساعد من طلبوا المساعدة في أعمال الكناسة وإزالة الزجاج والركام.
أنشأنا وحدة استماع ومساعدة نفسيّة، وقام فريق من المهندسين بالإشراف على إعادة إعمار المنازل ووتقديم المساعدة التقينة والاستشارات الهندسيّة اللازمة، وهناك مجموعة طبيّة كانت في الميدان، كما بدأنا في تصليح المنازل المتضرّرة من خلال الاستعانة بالمساعدات التي بدأت تصلنا من الجمعيّات الأهليّة والجهات غير الحكوميّة والمانحين والواهبين وأصدقاء الجامعة والقدامى".
تابع الأب شبلي شارحًا: "لقد قمنا بدمج وتوحيد وجمع كل الجهود والفرق والمساعدات وتنظيمها في الجامعة من خلال هذه المبادرة، تحت مظلّة المرشد العام المسؤول عن النشاطات الاجتماعيّة التي تعبّر عن قيم الجامعة ورسالتها ومسؤوليتها الاجتماعيّة تجاه المجتمع، وهي ما يمكن اختصاره بـ"تنمية كلّ إنسان وتنمية كل الإنسان"، من دون أي تفرقة أو تمييز أو تفضيل".
وعن معنى هذه التنمية أوضح: "التنمية لا تقتصر على بناء الحجر إنما تأخذ في الاعتبار الوضع النفسيّ والروحيّ والقانونيّ، من هنا جاءنا اقتراح مشكور لإحدى الزميلات بضرورة التنسيق مع نقابة المحامين، فتمّ الاتصال بالمسؤولين فيها وتمّ التعاون لحفظ حقوق الناس الذين تدمرّت بيوتهم. ونعمل على برنامج ثانٍ للتخفيف من آثار الصدمة إذ نعمل مع اختصاصيين على تأمين علاجات لحالات اضطراب ما بعد
الصدمة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين أصيبوا بشكل مباشر وتأذوا بشكل عميق".
وعمّا تمثله مبادرة USJ en mission قال الأب شبلي:"ولدت هذه المبادرة في ظروف صعبة واستثنائية، لكن ذلك لا يمنعها من أن تكون فرصة لتنفيذ الجزء المتعلّق بالمسؤولية الاجتماعية لجامعة القدّيس يوسف في بيروت، خصوصًا أنها تتمتّع ببعد روحيّ بالمعنى الشامل والعابر للطوائف، وذلك بمعنى الانفتاح على البُعد الآخر للإنسان بالمعنى المطلق وليس بالمعنى الضيق، أي من خلال بالمعنى الإنسانيّ الشامل. ففي المفهوم اليسوعيّ لا يمكن فصل الروحيّ عن الإنسانيّ خصوصًا أن لمبادرة USJ en mission دور في التنمية المستدامة بمعنى سعيها لمساعدة الأشخاص ليصبحوا منتجين وليتكلوا على أنفسهم وليستقلوا.
فالهدف الأخير هو الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج وخلق فرص عمل للشباب وليس فقط دعوتهم للبقاء في لبنان من دون إعطائهم من يبقيهم هنا".
وختم الأب جاد شبلي كلامه قائلاً "يود عدد كبير من الأشخاص في لبنان أن يقدّم المساعدة، أن يعطي، أن يقدّم العون، ودور مبادرة USJ en mission أن تكون منصّة لجمع هؤلاء الأشخاص، ولدينا مجموعة خطط للعام المقبل نأمل أن تسمح لنا الظروف بتنفيذها لما فيها من خير وبناء للإنسان".
يمكن زيارة الموقع بالنقر على الرابط