ماذا يعني كون المرء لبنانيًّا؟
بعيدًا عن البحث وراء الأصول التاريخية للأمة، يقدم لكم معرض "هويتك حبر على ورق" - في بيت بيروت (الطابق الثاني) من ١١ إلى ٣١ أيار - مقارَبةً جديدةً للهوية الوطنية مختلفةً جذريًّا عما سبقها. هذا المعرض من تنظيم المعهد الفرنسي للشرق الأدني ومعهد العلوم السياسية في جامعة القدّيس يوسف.
فإذا كانت "الأمة" تمثّل البطل لقصة تاريخية ما ، فإن هذا البطل يولد في الحقيقة من رحم الإحصاء السكاني ويتجسد في وثائق إدارية هي أوراق إثبات الهوية. وعليه فإن المعرض لن يقارب مفهوم الأمة من منظور تأريخي معين بل يقترح دراسة الموضوع من خلال القيام برحلة داخل إدارة الدولة الحديثة، مقترحًا إعادة التفكير في منطق الهوية السائد وفي أشكال تمييز الأفراد داخل المجتمع وذلك عبر توثيق المراحل المختلفة التي مرت بها الأمة من خلال استعراض مجموعة فريدة من أوراق إثبات الهوية اللبنانية ابتداءً من الحقبة العثمانية وانتهاءً بيومنا الراهن.
إن سؤال الهوية: “مَن هنا؟”، وليس “مَن أنا؟”
إن السؤال الثاني يتطلب إجابة فلسفية كلية حول معرفة المرء لنفسه، في حين أن السؤال الأول -سؤال الهوية الذي سنتناوله بالدرس- يؤدي حكما إلى اعتبار المرء مختلفا ومتميزا عن الاخر عبر تسجيله ووضعه ضمن قوالب محددة سلفا. فالهوية تقوم بتقسيم المجتمع الإنساني الواحد إلى طوائف ومجموعات متنوعة عن طريق تسجيلهم -إداريًّا- في دفاتر مختلفة، ما يؤدي حينها لظهور مجموعات كالعائلات والطوائف والأمم وحتى الأفراد.
لقد قدَّم لنا التاريخ ثلاثة أنماط لإنتاج الهوية: أولهم، سنّ المجتمع ضوابط أسرية من خلال الخطاب اليومي. ثانيهم، توزيع الدولة لأورق إثبات الهوية الإدارية. وثالثهم، التمييز الرقمي للأفراد أثناء التصفح الإلكتروني.
سيقدم لكم المعرض في الجزء الأول عرضًا نظريًّا حول الهوية مصحوبًا بأعمال فنية مختلفة للفنان "ربيع كيوان”، كما أنه سيمر بكم على المراحل التاريخية الثلاث السالف ذكرها، متوقفا بعدها عند الروابط الأسرية التي تمثل أساسًا قديمًا راسخًا للعلاقات الاجتماعية.
وفي الجزء الثاني منه سيعود لسؤال الأمة، دارسًا إياه في ضوء أورق إثبات الهوية التي تميّز المواطن عن الأجنبي وسيتبعه بإلقاء الضوء على التكوين الإداري للهوية اللبنانية. لينقل بعدها إلى الحديث عن الأوضاع الإدارية المختلفة للأفراد داخل الدولة اللبنانية (الكفالة، اللجوء السياسي، الجنسية، ازدواج الجنسية، ألخ).
وأخيرًا، سيطرح عليكم سؤال مستقبل الهويات في عصر الرقمية الذي يُقنن الاستغلال التجاري والأمني للمعلومات الشخصية، داعيًا الجمهور إلى مناقشة مفتوحة والتفكير حول مآلات هذا الموضوع.