السفير برونو فوشيه: لبنان مدخلنا الى الشرق الأوسط…وفرنسا مستمرة بالحوار مع إيران و”حزب الله

3/4/2019

قال السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه بأن ثمة “توجس من إيران من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب” واشار الى أن “فرنسا من جهتها مستمرة في الحديث مع الإيرانيين أما بالنسبة الى “حزب الله”، فأعتقد بأن الذين يرفضون الحديث مع هذا الحزب يضلّون الطريق ويرفضون الحديث مع 30 في المئة من الشعب اللبناني الممثلين في البرلمان”.

ووصف السفير الفرنسي لبنان بأنه:” مدخل للشرق الأوسط ونعتبر أن كل ما يخص لبنان لا يجب أن يكون غريبا عنّا”، أضاف بأن:” لبنان هو النقطة التي نحلّل عبرها الكثير من مصالحنا في بلدان الجوار”.

كلام السفير فوشيه جاء في إطار محاضرة لطلابه في مرحلة “الماجستير” الذين يتابعون تخصص علوم الإتصال والتسويق السياسي في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف. أدار الحوار مدير “الماجستير” ومدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في الجامعة البروفسور باسكال مونان بحضور رئيس الجامعة الأب سليم دكاش ومدير معهد العلوم السياسية البروفسور كريم بيطار.  

مونان: أسئلة عن أدوار فرنسا في العالم العربي

إستهل اللقاء بكلمة ترحيبية لرئيس “جامعة القديس يوسف” الأب سليم دكاش، تلاه البروفسور باسكال مونان مما جاء فيها:” نحن فخورون باستضافة السفير برونو فوشيه كزميل في الجامعة أيضا، حيث لديه حصة تعليمية مع طلاب “الماجستير””. وشكر مونان السفير فوشيه للحماسة التي قبل فيها المشاركة في هذا الدرس التعليمي.

وشكر مونان ايضا مدير معهد العلوم السياسية  كريم بيطار الذي سهّل أيضا تطبيق هذه الفكرة في المعهد  (…). وقال أن هذه الأنشطة هي دليل دينامية عالية وواقعية من قبل المعهد في تخصص علوم الإتصالات والتسويق السياسي من أجل مقاربة التحدّيات في الإقليم والعالم. وقال مونان ان المؤرخ هنري لورانس قال يوما:  إذا فهمت شيئا في لبنان فهذا يعني أنه تمّ شرحه لك بطريقة خاطئة”. واستنادا الى لورانس قال مونان: سوف نسألك يا سعادة السفير إن كانت فرنسا قد فهمت شيئا من العالم العربي؟ أضاف: “توجد مقاربتان تمّ نشرهما عام 2017، تدعوان الى إعادة تعريف سياسة فرنسا في هذه المنطقة من العالم. الأول عبر تقرير يتعلق بالمغرب والشرق الأوسط، واقترح أن تتوجه الدبلوماسية الفرنسية أكثر نحو أوروبا وتقوية التعاون مع ألمانيا (…)

 أما التقرير الثاني فيعود الى معهد “مونتين” ويتناول العالم العربي الجديد وعلاقته بفرنسا وهو ينتقد فرنسا لأنها تركّز سياستها في الشرق الأوسط على إرث تاريخي تحافظ عليه بلا رؤية استشرافية مستقبلية ومن دون تحليل حقيقي للوقائع ولمصالحها أيضا. ويصف التقرير سياسة فرنسا بأنهاReactive
اي قائمة على ردود الفعل وسمتها عدم الترابط (…) وهذا ما يؤدي الى تراجع دور فرنسا في مناطق اساسية أكثر لاقتصادها ولأمنها ولهويتها بحسب التقرير المذكور.

وقال مونان، بأن السفير فوشيه  قال في تشرين الأول 2017:” عندما نتحدث عن فرنسا فإن كل التخيلات مسموحة”.

وطرح مونان الأسئلة الآتية: ماذا عن هذه السياسة الفرنسية التي تعود الى ما قبل حقبة الجنرال ديغول، وهنا لا نريد التطرق الى الحملات الصليبية ومعاهدات الإمتياز  Le Traite des capitulations وصولا الى الجنرال ديغول.

ماذا تعني السياسة العربية لفرنسا؟ هل تمكنت فرنسا فعليا من فهم العالم العربي بتنوّعه؟ هل يوجد عالم عربي واحد أم أنه من الأفضل التحدث عن شرق أوسط بالمعنى الجيوبوليتيكي الأوسع؟

ما هي أولويات السياسة الفرنسية في هذا الجزء من العالم؟ (…). وهل تأثير فرنسا لا يزال كبيرا في المنطقة مقارنة بلاعبين آخرين اقليميين ودوليين؟ ما هي تداعيات التوسع الإيراني على سياسة فرنسا في الشرق الأوسط؟

وذكّر مونان بأن السفير فوشيه تسلم مناصب دبلوماسية حساسة وأساسية في منطقتنا، وكان سفيرا في إيران، إبان تفاوض فرنسا على الاتفاق النووي وعمل سفيرا  في الرياض والأمم المتحدة، وهو مجاز من معهد العلوم السياسية في فرنسا، ومن المدرسة العليا للعلوم الجامعية وتلميذ لكلية الإدارة عام 1990.

فوشيه: 3 ركائز لسياسة فرنسا في الشرق الأوسط

شرح السفير الفرنسي  مفهوم “الكيه دورسه” في ما يخصّ العالم العربي، وقال أنه ينطلق من مفهوم جغرافي للشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية، ويشمل مفهومه بلدان الشرق الأوسط وإيران لكنه لا يشمل تركيا.

وتحدّث السفير فوشيه شارحا سياسات بلده العربية، وبالرغم من تعهّده من أنه لن يتطرّق الى السياسة  اليومية سواء المحلية أو الإقليمية فإن شرح السياسات الفرنسية قاده الى مواقف تشرح الموقع المستقل الذي تحاول فرنسا أن تحافظ عليه بعيدا من الأجندات الأميركية وسواها. وقال فوشيه بعد شرحه الركائز الثلاثة للسياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط وهي الإستقلالية عن سياسات أميركا، نظرة نقدية لإسرائيل من دون أن تكون عدائية، ولعب فرنسا دور الوسيط الملزم.

 وحين بدأ فوشيه بإسقاط هذه المبادئ الثلاثة على عهد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون قال:” يمكن إيجاد هذه الركائز الفرنسية الثلاثة بسهولة في السياسة التي ينتهجها حاليا الرئيس إيمانويل ماكرون: الإستقلالية، التي يمكن رصدها في تواصل فرنسا مع جميع الأفرقاء، فنحن لا نختار محورا دون آخر، ولا نختار السنّة أو الشيعة، ونتحدث الى الجميع لأننا نعتبر بأن الجغرافيا هي أبديّة وبأن الجيران الذين يكرهون بعضهم بعضا سيأتي يوم ويتفقون”.

أضاف فوشيه:” نحن لا نريد الإنتماء الى محور دون آخر، وأنا هنا في لبنان أتحدث الى الجميع، بمن فيهم “حزب الله” وهذا الأمر يجعل الأمر مفهوما بشكل سيء، من قبل البعض، لأنه في ذهن البعض من الشركاء والحلفاء فإن الأمور لا تسير على هذا المنوال. إذ عليك اختيار المحور الذي أنت فيه: معي أو ضدّي. فالتحدث مع الإيرانيين أمر يثير تحفظات البعض، وبالتالي أنا لا أفهم موقف بعض البلدان والأفرقاء الذين يرفضون الحديث مع جزء من الشعب اللبناني وأنا لا أنكر بأن “حزب الله” هو “بروكسي” لإيران، (…) ولكن ذلك ليس سببا للتوقف عن الحوار  مع قرابة الـ30 في المئة من الشعب، فهذا يعني أنك توقفت عن تسويق رؤيتك للأمور وهذا امر يحتاج الناس لسماعه (…)”.

وتطرق الى الركيزة الفرنسية الثانية  في سياسة ماكرون أي نقد إسرائيل من دون الإنزلاق الى العدائية فقال:” بالرغم من كل الروابط مع إسرائيل، (…) فقد حافظنا على خطاب نقدي، فنحن لا نتقاسم وجهات نظر المسؤولين الإسرائيليين سواء كانوا من اليسار أو من اليمين فنحن متشبثون بالحق الدولي للفلسطينيين ونحن لم نعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل كما فعلت بعض البلدان، ونحن متشبثون بالقوانين الدولية كما وصّفها مجلس الأمن الدولي” (…).

بالنسبة الى الركيزة الثالثة المتعلقة بدور فرنسا كوسيط ملزم قال فوشيه:” إن فرنسا كانت حاضرة في كل الصراعات حيث لها مصلحة في تحمّل المسؤولية، فلدينا مواقف في سوريا واليمن وليبيا، حيث كانت مبادرة في مؤتمر باريس. وأحد أهم خطوط سياساتنا  هو تشبّث فرنسا بلبنان، فنحن متعلقون بلبنان فهو مدخل للشرق الأوسط ونعتبر أن كل ما يخص لبنان لا يجب أن يكون غريبا عنّا، لو لم نعبّر احيانا عن الأمور لصعوبة ذلك”.

 أضاف:” إن لبنان هو النقطة التي نحلّل عبرها الكثير من مصالحنا في بلدان الجوار. فما يحصل في سوريا، لا نقاربه البتّة باستقلالية عن لبنان ونحن نطبّق سياسة النأي بالنفس التي تطبقونها في لبنان، لأننا لا نريد تلويث الملف اللبناني بالمسألة السورية، وأنا هنا في لبنان لا أدير الشؤون السورية لعدم التصديق على فكرة تقول بأن لبنان هو حديقة خلفية لما يمكن أن تفعله المعارضة السورية. ونحن نريد التفريق بين الملفين لكن إحدى نقاطنا الرئيسية، هي أن لبنان هو في قلب مصالحنا في الشرق الأوسط وكل ما ما من شأنه أن يثير الإضطراب في إستقرار لبنان يعنينا”.

حضور فرنسا الثقافي 

وتطرق السفير فوشيه الى حضور فرنسا الثقافي الواسع في العالم العربي، قائلا:” بالرغم من نهاية الإنتداب وبالرغم من العروبة، يوجد 33 مليون فرنكوفوني في العالم العربي، يوجد 66 ألف طالب لبناني يدرسون في النظام التعليمي الفرنسي في الموسم المقبل، وهو رقم بعيد جدا من المرتبة الثانية التي يمثلها المغرب مع 37 ألف طالب مغربي يدرسون ضمن النظام التعليمي الفرنسي”.

التعاون التجاري مع العالم العربي تواجهه تحديات

من الناحية الإقتصادية، قال فوشيه بأن “التجارة التي نقيمها مع كل الشرق الأوسط توازي تلك التي نقيمها مع الولايات المتحدة الأميركية والصين، (…). هنالك  تراجع قليل بسبب القادمين الجدد وأبرزهم الأتراك والهنود والصينيون الذين ينشرون قدراتهم الإقتصادية بشكل سريع للهيمنة على الأسواق، وهذا يؤدي الى أن الأوروبيين جميعا وليس الفرنسيين فحسب يتراجعون أمام هذا الضغط الذي يمارسه القادمون الجدد(…)”.

الإنتشار الدبلوماسي ولبنان في الواجهة

وكشف السفير فوشيه بأن “لبنان يقع في المرتبة الـ12 عالميا قياسا بأهمية البعثات الفرنسية”. وأشار:” يوجد أكثر من 150 شخصا يعملون في السفارة الفرنسية، وهو الضعف بمرتين عما لدينا في سفارتنا في اليابان وفي إيران. ولدينا خدمات تطال كل ميادين التعاون بيننا. ( العسكرية المدنية الثقافية…وبالطبع القنصلية).

وقال:” في الشرق الأوسط، 95 في المئة من حفظة السلام الفرنسيين منتشرين في هذه المنطقة وخصوصا في قوات “اليونيفيل” في لبنان. وهذا يدلّل على أهمية المصلحة التي لدى فرنسا في هذا المجال”.

ولفت الى :” تفاوت في بعض تمركزنا الدبلوماسي بين البلدان، فنحن حاضرون جدا في المغرب وفي الخليج وأقل حضورا في الشرق بإستثناء لبنان. وذكر فوشيه أن تقرير “مونتين” الذي رفع  الى “الكيه دورسيه” اقترح أن تركّز فرنسا على نقاط قوّتها وأن تغادر الشرق كليا وهذا يعني ترك لبنان. وكان الأمر مؤثرا جدا”. بحسب فوشيه.

الخليج لا يشتري فرنسا

وختم السفير الفرنسي بملاحظتين للحضور، قال أنهما خطآن شائعان. الخطأ الأول يقول بأن سياسة فرنسا تجاه العالم العربي تقودها المصالح والعقود الإقتصادية. وروى:” حين كنت في إيران انهيت ولايتي بعقد قوامه 35 مليار يورو مع إيران، وقد تم توقيعه لكنه انتهى منذ قرار الرئيس ترامب وقف العمل بالإتفاق النووي. لو لم نتوصل الى اتفاق يضمن مراقبة القدرات النووية لإيران كنا سنضحي بهذه المقاربة الإقتصادية… وبالتالي من الخطأ التفكير بأن فرنسا تقودها عقود الأسلحة الكبرى أو المدنية ليس هذا ما يثير مصلحة سياسيينا ولا دبلوماسيينا”.

أما الخطأ الشائع الثاني فهو القائل بأن الخليج يشتري فرنسا وقال أن لا أحد يستطيع فعل ذلك، ولا الشرق الأوسط كله (…).