ضمن إطار محاضرات "ثلاثاء الكليّة" التي تنظّمها كليّة العلوم الدينيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وقد اختارت لها لهذا العام موضوعًا عامًّا هو "مريم أمّ يسوع"، قدّم الدكتور جورج صبرا محاضرة بعنوان "مريم في إيمان الكنيسة المُصلحة".
قبل التوقّف على أبرز محاور المحاضرة نشير إلى أن الدكتور جورج صبرا هو أستاذ اللاهوت في كليّة اللاهوت للشرق الأدنى ورئيسها وعميدها الأكاديميّ، وأستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وحائز على دكتوراه في اللاهوت من جامعة توبنغن، وشهادة ماجستير في اللاهوت من جامعة برنستون، وماجستير في فنّ الدراسات القروسطية من جامعة تورنتو، وله مؤلفات ومقالات علميّة متعددة.
محاضرة الدكتور صبرا شرحت موقف الإنجيليين من العذراء مريم، وهو موقف بعيد عن التقوى المريميّة السائدة، سنكتفي بما ورد في مقدّمة المحاضرة من شرح للوضع العامّ.
قال الدكتور صبرا: "يجابه الإنجيلي في حديثه مع غير الإنجيلي في بلادنا سريعًا بالسؤال عن مكانة مريم العذراء عنده، وذلك لأن السيدة العذراء مهمة جدًّا للتقوى والروحانية في الكنائس الشرقية لدرجة أن غيابها من الروحانية واللاهوت الإنجيليين يشكل، في نظر بعضهم، تشكيكًا أساسيًّا في شرعية المسيحية الإنجيلية. ولا عجب، فإن التقوى وبعض العقائد المريمية ولدت وترعرعت وازدهرت في الشرق الأوسط وطبعت المسيحية الشرقيّة بطابع خاص".
وتابع يقول: "لا يقدر الإنجيليون أن يتواجدوا في هذا الشرق ويتجاهلوا هذا الوجه الهام للمسيحية الشرقية. والتاريخ يظهر أنهم لم يتجاهلوا هذا الواقع. فمنذ مجيء المرسلين الأميركيين الأولين وغيرهم من المرسلين الإنجيليين وحتى هذا اليوم، واجه الإنجيليون المسائل المريمية المتعلقة بشفاعة العذراء وعقائد أخرى بشكل جديّ وبمواقف سلبية. كان الموقف الإنجيلي، ولم يزل إلى حدًّ كبير، دفاعيًّا وجدليًّا حول كل المسائل المريمية. كان الهدف محاربة الآخرين والإثبات أننا على حقّ وهم على خطأ. وقد بادل المسيحيون الآخرون الإنجيليين هذا الهدف وذاك الموقف الدفاعي. لكننا اليوم نحيا في عصر مسكوني، والفكر اللاهوتي المسؤول في أيامنا إما يكون مسكونيًّا أو لا يكون. إن إعادة النظر المسكونية في موضوع خلافيّ كهذا إنما تتم بروحية تختلف عن روحية العصور التي مضت. الموقف الأولي في المقاربة المسكونية ليس موقفَ الشكّ والدفاع والانتقاد وإنما هو موقف الاحترام والانفتاح والمحبة. وكما يقول اللاهوتي الإنجيلي الشهير كارل بارت في إطار معالجته لموضوع مثير للجدل بين المسيحيين: "يجب أن نحترم شهادة الذين كانوا قبلنا في الكنيسة والذين هم معنا الآن فيها لأنها شهادة آبائنا وإخوتنا الذين نحترم ونحب".