استقبلت جامعة القديس يوسف في بيروت نهار الإثنين ٢٩ تشرين الأوّل، الأستاذ في قسم الترجمة والترجمة الفوريّة في جامعة بروكسيل الحرّة، السيد "كريستيان باليو" لفي إطار ندوة بعنوان "التبادل بين بلاد الشام والغرب عن طربق الترجمة الفورية"(Échanges entre le Levant et l’Occident par le truchement de l’interprétation) .
وقد مرّ السيد باليو في ندوته على بعض تاريخ كلّ من الترجمة الفورية والترجمة التحريريّة اللتان كان لهما دور غاية في الأهميّة في التلاقح الثقافي والتجاري والدبلوماسي بين الحضارات منذ غابر الأزمان. وعلى الرغم من تفاوت أهميّة المترجمين بين حضارة وأخرى، كان ثمّة شبه اجماع على أهميّة الدور الذي يؤدّونه في ازدهار أيّ منها. فعلى سبيل المثال، كان للمترجمين في الحضارة المصرية مركزٌ اجتماعيٌّ مرموقُ بفضل دور التواصل الذي كانوا يؤدّونه مع جنوب مصر آنذاك، وتحديدًا محافظة "الفيوم" التي كانت منطقة ثنائيّة اللغة. هذا بالإضافة إلى دورهم في إتمام العمليّات التجاريّة والدبلوماسيّة بين مصر وسواها من البلدان. كما كانت مدينة قرطاج، المستعمرة الفينيقيّة آنذاك، والتي كانت تضُمُّ ٦٠عرقًا مختلفًا، المكان الثاني لنشأة الترجمة الفوريّة لضرورة تأمين التواصل بين سكانها. ومع احتلال اليونانييّن الشرق الأوسط وفرض لغتهم على شعوبه، تراجعت الترجمة لكنّها عادت لأوجها مع الحضارة الرومانيّة التي عملت على استعادة النتاج الثقافي اليوناني من خلال ترجمته. وفي القرن السابع قبل الميلاد، بدأت الغزوات العربيّة وشهدت اللغة العربيّة ازدهارًا غير مسبوق، وتعززت آنذاك العلاقات بين الغرب والعرب مجدّدًا عن طريق الترجمة على أنواعها. وفي عام ٦٢٢ ميلادي، كانت بداية الإسلام مع هجرة النبي محمد ثم كان انتصار التوحيد على الشرك في شبه الجزيرة العربيّة حيث كان النظام قبليًّا. وشكّل القرآن الذي نزل في القرن السابع ميلادي المرجع الأوّل للّغة العربيّة ودليلاً لقواعدها، ولا ينفّك يتمتّع بهذه الصفة حتى يومنا هذا لفرادة أسلوبه.
هذا وقد عرف التاريخ عدّة محاولات لبناء مدارس ومعاهد لتدريس الترجمة التحريريّة والفوريّة. ففي القرن السابع عشر، أنشأ لويس الرابع عشر مدرسة الترجمة الفوريّة الأولى في باريس تحت اسم "معهد أطفال اللغات" التي شهدت عدّة تغيّرات حتى آلت إلى ما هي عليه اليوم تحت اسم "المعهد الوطني للغات والحضارة الشرقيّة". والجدير بالذكر هو أنَّ الشرق الأوسط كانَ منذ ما يقارب الـ٤٠٠ عام قبل الميلاد، مهد الترجمة الفوريّة ومنطلقاً للترجمة التحريريّة مع ولادة الأبجديّة الأولى على يد الفينيقيين ١٠٠٠ عام قبل الميلاد. وحتّى القرن العشرين، بقيت الترجمتان التحريريّة والفوريّة اختصاصًا واحدًا ومهنة واحدة. ومع إنشاء منظمات عالميّة كالأمم المتّحدة عام ١٩٤٥ والإتّحاد الأوروبي عام 1957، تزايد الطلب على الترجمتين التحريريّة والفورية. كما كانت محاكمات نورمبرغ حدثَا مفصليًّا في تطور الترجمة الفوريّة، ونقطة التحول التي وضعت هاتين الترجمتين في مسارين مُتامِزَينِ وإن مُتَكامِلَين. كما بدأ التمييز الأكاديمي الفعليّ بينهما مع بناء أبرز مدارس الترجمة في العالم كمدرسة الترجمة في جنيف عام ١٩٤١ و مدرسة الترجمة في باريس عام ١٩٥٨.
Fatima Jaber et Céline El Natour
M1- Interprétation de conférences