مساء يوم الجمعة في الخامس من تموز2024 أقامت جامعة القدّيس يوسف في بيروت حفل تخرج لا يُنسى في حرم العّلوم الطبية، طريق الشام، في ختام رحلة شاقة لطلاّب كليّة طبّ الأسنان، وكليّة الصيدلة وقسم التغذية فيها، وكليّة العلوم التمريضيّة، ومدرسة التحضير المخبري الطبّي. أقيم الاحتفال تحت شعار "على الطريق نحو الـ 150 عامًا... أنتم حرّاس تراثنا وبناة مستقبلنا"، وكانت مناسبة للاحتفال بإنجازات اختصاصيي الرعاية الصحّية المستقبليين الذين يستعدون لبدء مسيرتهم المهنيّة.
بدء الحفل بكلمة رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ، وقد ألقى خطابًا مؤثّرًا عبّر فيه عن سعادته وفخره بالترحيب بضيفة الشرف، الدكتورة سامية مورا، أستاذة الطبّ في كليّة الطبّ في جامعة هارفرد، وهي متخصّصة بأمراض القلب وباحثة لبنانية-أميركية ذات شهرة عالمية في مجال الوقاية من أمراض القلب والأيض.
أثنى دكّاش على التزام مورا بالعلم وحبّها للبنان، قبل أن يخاطب الخرّيجين مباشرة، مذكّرًا بالتحدّيات التي تغلّب عليها الطلاّب، بما في ذلك الجائحة كوفيد -19، والأزمة الاقتصادية والانفجار في مرفأ بيروت. وشدّد على أهمية المثابرة والتصميم، وشجّع الخرّيجين على السعي وراء مثلهم العليا بشجاعة وجرأة. كما شدّد على أهمية التعليم اليسوعيّ الذي يكوّن أفرادًا واعين لمسؤولياتهم الاجتماعية.
كما تحدّث دكّاش عن الدور الحاسم الذي لعبه مستشفى أوتيل ديو دو فرانس في تدريب الخرّيجين. وأكّد على أن هذه المؤسّسة المرموقة لم تقدّم فقط تدريبًا سريريًا عالي الجودة، بل غرست أيضًا قيم التعاطف والإنسانية. ونصح قائلاً: "كن ممتنًا لأولئك الذين ساهموا في تعليمك، ولا تنسَ أبدًا أهمية ردّ الجميل للمجتمع الذي دعمك". كما سلّط الضوء على أهمية شبكات الخرّيجين وشجّعهم على "الحفاظ على روابط قوية مع زملائهم ومع جامعتهم الأمّ".
"من السنة 149 لتأسيس جامعتكم الأم"، قال رئيس الجامعة: "أنتم تفتحون الباب على مصراعيه للسنة الـ 150 لتأسيس جامعتكم الأم. أنا لا أقول إننا سنحتفل في هذه الأوقات الحزينة والصعبة، بل أقول فقط إننا سنتذكر 150 عامًا من تأسيس الجامعة مع الأصدقاء والخرّيجين ومجتمعنا بأكمله. لن نفسد هذه الذكرى، وهذا اليوبيل بالطريقة نفسها التي أفسدت بها مئوية لبنان الكبير. لقد حلمنا بلبنان الكبير وحقّقناه وسيبقى دائمًا لبنان الكبير الذي نريده والذي نحقّقه كلّ يوم والذي نحبه".
ثم أخذت الكلام بعد ذلك البروفسورة سامية مورا التي شاركت الحضور أربعة دروس من حياتها المهنية، مركّزة على الاستعداد والمرونة والمسؤولية والعمل الجَمَاعي. وكان لكلماتها صدى قويًا لدى الخرّيجين، وشجّعتهم على مواصلة التعلّم والتكيّف مع التغيّرات السريعة في قطاع الرعاية الصحّية.
كما سلّطت البروفسورة مورا، في كلمتها، الضوء على أهمية الابتكار والبحث المستمرّ. وشدّدت على أن مجال الرعاية الصحّية يتطوّر باستمرار، حيث تغيّر التطوّرات التكنولوجية والعلمية الممارسات الطبّية باستمرار. وأوصت قائلةً: "كُن منفتحًا على الابتكار، وتقبّل الأبحاث ولا تخشى طرح الأسئلة وتحدّي الوضع الراهن". وقد أوضحت هذه النقطة من خلال مشاركة أمثلة عن الاكتشافات الطبّية الحديثة التي أحدثت ثورة في العلاجات وأنقذت حياة الكثيرين.
وتوجّهت مورا إلى الخرّيجين بالقول: "في أحد الأيّام سيحالف الحظ البعض منكم أيها الجالسون هنا اليوم، وسوف تتوصلون إلى بعض هذه الاكتشافات المنقذة للحياة، مثل عميدة كليّة الصيدلة البروفسورة ماريان أبي فاضل التي كانت تعمل على رسالة الدكتوراه في مختبر في باريس العام 2002 عندما اكتشفت وظيفة بروتين جديد في تنظيم مستويات الكوليسترول في الدم. وقد أدّى هذا الاكتشاف المهم – اكتشاف يستحق جائزة نوبل- إلى منافسة بين العديد من شركات الأدوية الكبرى التي طوّرت بعد ذلك أدوية بيولوجية جديدة تثبط هذا البروتين، والتي نستخدمها الآن سريريًا لخفض مستويات الكوليسترول لدى مرضانا ومنع النوبات القلبية وتمكين المرضى من العيش لفترة أطول".
وختمت مورا كلامها متوجهةً إلى الحضور باللغة العربيّة وقالت: "في الختام أكرّر شكري لكم لدعوتي إلى هذا اللقاء الرائع مع أعضاء الهيئة التعليميّة والزملاء الخرّيجين، وأهنئهم مع أفراد عائلاتهم بقطف ثمار جهودهم وتضحياتهم. وأتمنى للخرّيجين دوام النجاح والتوفيق في تحقيق أهدافهم المستقبلية وأودعكم بقول ميخائيل نعيمة في كتابه مرداد:" أنتم بناة سفن كلّ على طريقته وأنتم بحّارة كلّ في سبيله، ذاك هو العمل المعد لكم منذ الأزل أن تمخروا عباب ذلك المحيط اللامتناهي الذي هو أنتم لتظفروا منه بلحن الوجود الصامت الذي هو الله".
ثم تحدّثت تمارا حجازي، الطالبة المتفوقة في دفعة كليّة العلوم التمريضيّة، نيابة عن الطلاّب، وقالت: "اليوم، طُوينا صفحة، صفحة مكتوبة بشكل جميل، ونحن الآن نكتب بداية فصل جديد في حياتنا، مغامرة جديدة ورحلة جديدة واكتشافات جديدة". وأعربت عن فخرها وفرحها بوجودها في الحفل، مع الاعتراف بالتحدّيات التي تغلّبوا عليها للوصول إلى هذه اللحظة. وأثنت حجازي على العمداء والمعلّمين، وكذلك جميع أعضاء مجتمع جامعة القدّيس يوسف في بيروت لدعمهم وإلهامهم طوال فترة دراستهم. كما قدّمت شكرًا مؤثرًا لزملائها الطلاّب، مؤكّدةً على دورهم الحاسم في مسيرتها المهنية. وقالت: "أنتم أناس رائعون وقد حفزتموني على تقديم أفضل ما لديّ". وذكّرت الطالبة المتفوقة في كلية العلوم التمريضية بأهمية التمسك بالقيم الإنسانية في عالم يتزايد فيه عدم المساواة، وحثت زملاءها الطلاّب على الدفاع عن الحق والعمل من أجل عالم أكثر عدلاً وإنسانية. وأكّدت كلماتها على أهمية الوحدة والدعم المتبادل، وحثّت الجميع على أن يظلوا طموحين وصادقين ومخلصين لوطنهم ومجتمعهم.
وألقى الدكتور أمين الزغبي، رئيس رابطة خرّيجي كليّة طبّ الأسنان كلمة مؤثرة بالنيابة عن اتّحاد جمعيات خرّيجي جامعة القدّيس يوسف في بيروت، مذكّرًا بأهمية الأخوة بين الخرّيجين، ودعا الخرّيجين الجدد على الالتزام والمساهمة الفعالة في مجتمعهم.
كما تحدّث الدكتور الزغبي عن التحدّيات التي تواجه الخرّيجين في السياق الحالي في لبنان والعالم. وشدّد على ضرورة الحفاظ على المرونة والتكيّف مع الظروف المتغيّرة. وقال: "إن عالم الرعاية الصحّية يتغيّر باستمرار، ومن الضروري أن نبقى على اطلاع وقادرين على التكيف".
وأخيراً، أكّد الدكتور الزغبي على أهمية الأخلاقيّات والنزاهة في الممارسة المهنيّة. وذكّر الحضور بأنه يجب على الخرّيجين أن يتصرفوا دائمًا بأمانة وتعاطف، واضعين احتياجات مرضاهم في المقام الأول. واختتم كلامه قائلاً: "التزامكم بالأخلاقيّات المهنية هو ما سيجعلكم قادة حقيقيين في مجال الرعاية الصحّية". وحثّ الخرّيجين الجدد على الاستمرار في تنمية هذه القيم طوال حياتهم المهنية.
ومن اللحظات الجميلة في حفل التخرّج قَسَم الخرّيجين الذي ألقته الآنسة أمل سرور، الطالبة المتفوّقة في كليّة الصيدلة، وقسم الدكتوراه الخاص بالأمانة العلميّة الذي ألقته الدكتورة جوي إليان، خرّيجة كليّة طبّ الأسنان، وتوّج حفل التخرج بتسليم الشهادات للخرّيجين وسط فرحة الطلاّب وأهاليهم.
كلمة الطالبة المتفوقة في دفعة كليّة العلوم التمريضيّة تمارا حجازي
كلمة البروفسورة في كليّة الطب في هارفرد الدكتورة سامية مورا