تحت عنوان "محاربة الإفلات من العقاب" افتتح مركز الدراسات الحقوقيّة للعالم العربيّ في جامعة القدّيس يوسف في بيروت (سيدروما)، بدعمٍ من المعهد الفرنسي في لبنان، سلسلة ندوات أقيمت23 و24 أيّار 2024 على مدى يومين في فترة بعد الظهر، في حرم العلوم الاجتماعيّة، شارع هوفلان.
بدايةً تحدّث رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت البروفسور سليم دكاش اليسوعيّ بكلمةٍ ذكّر فيها بأهمية موضوع الإفلات من العقاب والتزام الجامعة في هذا المجال.
أما البروفسورة لينا غنّاجه مديرة المركز فأشارت في كلمتها الافتتاحيّة إلى أنّ هذا الموضوع فرضَ نفسه على مركز الدراسات الحقوقيّة للعالم العربيّ (سيدروما) بإملاءٍ من الواقع اللبناني وعنف الأزمة التي يعيشها لبنان، "إذ يكمن أحد الأسباب الرئيسيّة وراء الكارثة الحاليّة، في قناعة من تسبّبوا فيها، بأنّ ليس هناك لا حسيبٌ ولا رقيب، وأنّ أحدًا لن يتحمّل المسؤولية. وباختصار، يعتبرون أنفسهم فوق القانون وخارج نطاق العدالة" وفق ما قالت. وذكّرت أيضًا كيف أنّ "الإفلات من العقاب ترسّخ تدريجيًا في المشهد القانونيّ اللبنانيّ جرّاء قانون العفو الصادر في 26 آب 1991 الذي وضع زعماء الحرب بعيدًا عن الملاحقات القضائيّة. فبدلاً من مساءلتهم، تمّ دفعهم مباشرةً إلى رأس مؤسّسات الدولة أو داخلها، وأدّى ذلك إلى اجتياح الثقافة الميليشياويّة للمؤسّسات اللبنانيّة ما آلَ إلى تفاقم منطق تقاسم الحصص وممتلكات الدولة. ومن أهمّ تداعيات هذه الثقافة التدمير التدريجيّ للمؤسّسات اللبنانيّة الواحدة تلو الأخرى، فمن البديهي أن تكون إحدى أولى ضحاياها المؤسّسة القضائية نفسها". وختمت غناجه بالإشارة إلى ضرورة "أن تقوم الجامعات بدورها في توعية الطلاّب والمجتمع ككلّ، وطرح الأسئلة المزعجة ورفض نسبيّة القيم وتطبيع ما هو غير طبيعي".
الجلسة الأولى
تناولت الجلسة الأولى موضوع تعطيل العدالة في مأساة مرفأ بيروت؛ وافتُتحت بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، ومستشارة التعاون والعمل الثقافي-مديرة المركز الفرنسي في لبنان السيّدة سابين سكيورتينو، وملحق التعاون لدى السفارة الفرنسيّة في لبنان السيّدة ماتيلد بوس، وأهالي ضحايا انفجار 4 آب، وعدد من القانونيين، ومن ناشطي المجتمع المدني وسط جمهورٍ حافل من الطلاّب والأساتذة الجامعيّين.
شارك في هذه الجلسة السيّد برتران ماتيو– بروفسور فخري في جامعة باريس 1- السوربون الذي تناول موضوع المسؤولين السياسيّين أمام القضاء الفرنسي، وقد تطرّق كذلك إلى مسألة الحصانات في القانون اللبناني في ضوء التجربة الفرنسية.
تلَت هذا العرض مداخلة قيّمة لرئيس محكمة لبنان الشمالي شرفًا القاضي فادي العنيسي الذي تحدّث عن فاجعة المرفأ وتناولها بنظرة شاملة لا سيّما موضوع صلاحية المحقّق العدلي ومدى خضوعه لإجراءات الردّ والمخاصمة والنقل.
ثم أُعطي الكلام للسيّد نيل هارت الذي تابع ملف شركة سافارو في لندن بطلبٍ من مكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت، وختمت هذه الجلسة السيّدة سيسيل روكز شقيقة جوزيف روكز الذي قضى في انفجار المرفأ، وألقت روكز كلمة مؤثرة للغاية ذكّرت فيها بوجع أهالي الضحايا وما عانوه منذ 4 آب 2020 وناشدت الطلاّب لانضمامهم إلى الدفاع عن هذه القضية وتحقيق العدالة نظرًا لأهميتها القصوى.
الجلسة الثانية
تناولت الجلسة الثانية موضوع التنصّل من المسؤوليّة في ظلّ الأزمة المالية وقد تطرّقت تحديدًا إلى موضوع ماهية مسؤولية الدولة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي في اندلاع الأزمة الماليّة وتفاقمها.
شارك في هذه الجلسة كلّ من الأستاذ كريم ضاهر الرئيس السابق للجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، والأستاذ أكرم عازوري محامي جمعيّة المصارف في لبنان، والسيّد غسان عياش نائب حاكم مصرف لبنان سابقًا، والبروفسورة ماري كلود نجم عميدة كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت ووزيرة العدل سابقًا.
أدارت الجلسة السيّدة لمياء مبيض بساط رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي حيث طُرحت أسئلة عديدة لا سيّما حول توزيع المسؤوليّات بين الدولة، مصرف لبنان، القطاع المصرفي والمودعين، كما أُثيرت إمكانيّة استعادة الودائع والعلاجات التي لا تزال ممكنة اليوم في هذا المجال، وعُرضت العقبات التي تحول دون الاتّفاق على خطة تعافٍ، كما أُلقي الضوء على وسائلَ إعادة الثقة بالقطاع المصرفي.