في العاشر من نيسان، استقلّيت الطائرة مساءً والقلب منّي يخفق والخواطر تختلج في ذهني وتتخبط. كنت على متن الطائرة الراحلة من بيروت أحاول التكهّن بما ينتظرني في فيينا، حالمة، متعطّشة لزيارة مدينة يتغنّى الفنّ بسحر لياليها، متشوّقة للوصول ومتخوّفة منه ومن المؤتمر الذي كان ينتظرني والزميلات من ١١ حتى الـ ١٤ من نيسان في مكتب الأمم المتحدة. الموضوع؟ صياغة اتفاقية لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية.
مصطلحاتٌ كبيرة في مؤتمر ضخم في مدينة فاضلة أشعرتني بمدى صغري.
ومع ذلك، أمضيت وقت الرحلة بأسره أطمئن نفسي، أقنعها بأنّني قادرة على العمل أمام التراجمة المخضرمين وعلى مواجهة الصعوبات التي قد ينمّ عنها مؤتمر معقّد كهذا. كنت قبل السفر، مكرّسةً ليلي ونهاري لتحضير المصطلحات والمفاهيم الخاصّة بالمؤتمر مع الزميلات ولكنّ الخوف قبل العمل شرّ لا بدّ منه.
مع وصولنا إلى فيينا، تبدّدت هنيهةً كلّ مخاوفي أمام سحر المدينة ورونقها، تاهت هنيهة كلّ مخاوفي في شوارعها الهادئة وأزقّتها وأسواقها، تحت سمائها الباكية الممطرة.
وما سحر فيينا أمام سحر المقصورة ورهبتها في أول يوم لنا فيها. لأوّل مرة خرجنا من مقصورة الجامعة التي ألفناها إلى مقصورة تطلّ على قاعة تعجّ بالسفراء والقناصل والمندوبين. عملنا في ظروف حقيقية لأربعة أيّام كاملة. أيام من التعب، والخوف والتردّد والخيبة لا أندم عليها البتّة لأنها فتحت أمامي أبواب الحياة فأرتني عالم العمل كما هو بلا تبرّج، وكشفت لي زواياه وكواليسه التي كنت أجهلها فعدت إلى لبنان ونفسي تتوق إلى المثابرة في العمل والدرس والتدريب، عدت إلى لبنان وفي نفسي أملٌ بالعودة يومًا، ولو لأربعة أيام ممطرة، إلى فيينا وفي يدي شهادة.
كريستيل صوفي عزيز
M4 Interprétation