احتفل معهد الآداب الشرقية في جامعة القدّيس يوسف في بيروت بإطلاق "الدبلوم الجامعيّ في الصحافة الاستقصائية" و"الدبلوم الجامعي في كتابة السيناريو باللغة العربية (مستوى 2)"، في حفل تخلّلته طاولة مستديرة حول الصحافة الاستقصائية ومكافحة الفساد، شارك فيها المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، والقاضي السابق فادي عنيسي، وعميدة كليّة الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم، ، وأدارتها الإعلامية ليال بو موسى، تلاها حفل تخرّج طلّاب الدبلوم الجامعيّ في كتابة سيناريو باللغة العربية (مستوى 1)، وطالبين من الدبلوم الجامعيّ "مناهج معاصرة في قراءة النصوص الدينية"، وذلك في أوديتوريوم فرنسوا باسيل في مبنى الجامعة - طريق الشام.
حضر الاحتفال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، ورئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت البروفسور سليم دكّاش، ونائبه الدكتور صلاح أبو جودة اليسوعيّ وعمداء ومديرين وأساتذة من الجامعة، وفاعليات أكاديميّة وثقافيّة واجتماعيّة.
معوّض
بعد النشيد الوطني ونشيد الجامعة، تحدّثت تمارا كرم مرحبةً بالحضور، تلتها الدكتورة ندى معوض شاكرة رئيس الجامعة والذين "أشرفوا وساهموا في ولادة دبلومي الصحافة الاستقصائية والمستوى الثاني من كتابة السيناريو، وجميع الزملاء وفريق العمل في معهد الآداب الشرقية على تقديم كلّ الدعم لإطلاق هذا الدبلوم ولإحياء هذا الحفل".
وقالت: "منذ سنتين كان قرار إطلاق دبلوم كتابة السيناريو مغامرة بالنسبة للبعض. في زمن كان القطاع التربوي ينازع حاله كما هي حال البلاد بسبب الأزمات المتلاحقة كانت إرادة الحياة الأقوى، وكما كانت جامعة القدّيس يوسف شاهدة على ولادة لبنان الكبير، ستكون شاهدة أيضًا على إعادة بناء الدولة، من خلال بناء الإنسان والعلم. وها نحن اليوم نخرّج الدفعة الثانية من طلّاب كتابة السيناريو، مع إطلاق المستوى 2، ودبلوم الصحافة الاستقصائية وهو أيضًا الأول من نوعه في لبنان."
وختمت: "بهذين الدبلومين سنقرب سوق العمل نحو الحائزين عليه، وسنخرّج طلّابًا متمكنين من تقديم محتوى شيّق، ومهنيّ، وإبداعيّ وصحافيين متمرّسين مهنيين يبحثون عن الحقيقة يقفون بجانب العدالة ويساهمون في الوعي السياسي وبناء الوطن".
الزعبي
تحدّث منسّق دبلوم المناهج المعاصرة الدكتور أحمد الزعبي وقال: "نشأت فكرة دبلوم مناهج معاصرة في مقاربة النصوص الدينيّة (التفسير والتأويل والتفكيك)، الذي نحتفل اليوم بتخريج أول دفعة منه، عندما عقدنا هنا في الجامعة في شهر حزيران 2021 مؤتمرًا دوليًا تحت عنوان "النص القرآني: مناهج التأويل والتفسير المعاصرة"، من تنظيم مركز لويس بوزيه لدراسـة الحضارات القديمة والوسيطة في الجامعة اليسوعية، شارك فيه خبراء ومختصّون في الدين والفلسفة واللاهوت. ثم برعاية كريمة من الأب البروفسور أبو جودة أنضجنا الفكرة إلى أن حازت موافقة رئاسة الجامعة".
وختم: "في العام الماضي، أطلقنا الدبلوم، متسلّحين بثقة الأب الرئيس الذي وجّه بالاستمرار فيه بالرغم من قلّة المنتسبين إليه.. لكننا وبالرغم من تحديّات عدّة، لا تواجه فقط هذا الدبلوم بل الدراسات الإنسانية عمومًا، حرصنا على منح طلّابنا، بإشراف ومتابعة من مدير معهد الآداب الشرقيّة الدكتور طوني القهوجي، أعلى مستوى من التعليم. وقد شارك معنا في إعطاء المحاضرات أساتذة من جامعتنا ومن 7 جامعات عربية ودولية حاضروا فيه كضيوف".
القهوجي
مدير معهد الآداب الشرقيّة الدكتور طوني القهوجي توجّه إلى الحضور بالقول: "وها قد جعلنا الحدث حدثين، والتوثّب توثّبين... ففي لقائنا الفرح بوجودكم وبمشاركتكم المحبّة، نطلق الدبلومين الجامعيين: الأول في الصحافة الاستقصائية؛ والثاني في كتابة السيناريو باللغة العربية، المستوى الثاني؛ هذان الدبلومان ثمرة عمل طويل، وتفكير ساعٍ إلى مواكبة روح العصر ومتطلبات زمن السرعة وسوق العمل، هادف إلى استحداث دروب ليسلكها متخصّصون في مجالات رسمت لها آفاق تقليدية محدودة، فبعد عنها الطلّاب كونها لا تلبي طموحاتهم".
وختم: "هذان الدبلومان حاجة اليوم، وبخاصةٍ في بلداننا العربية، وفي لبنان تحديدًا. ففي السينما والمسرح والتلفزيون على حدٍّ سواء، تشكّل كتابة السيناريو (وبخاصة باللغة العربية) أساسًا! فالنص معيار أول لنجاح العمل أو فشله، ولهذا النص آليات وأُسس وأساليب وتقنيات، والتمرُّس ضرورة لا اختيار، لأن خطر الوقوع في فخ الإنشائية أو الابتذال، في فخ التصنع أو الغلو، المتجلي بكثرة في الأعمال المنتجة، تهديد صار واقعًا يسيء إلى تاريخ عريق!".
دكّاش
من جهته ذكّر رئيس الجامعة البروفسور دكّاش بالعلاقة المميزة التي ربطت الآباء اليسوعيين باللغة العربية وقال: "نلتقي اليوم في حفل تخريج مجموعتين من الطلّاب الذين أنهوا برنامج السيناريو في اللغة العربية رقم 1، وأيضا مناهج جديدة ومتجددة في العلوم الدينية في اللغة العربية. أقول إنّ هذا اليوم مميز بالنسبة لي، لأن هذه البرامج إنما هي باللغة العربية، واليوم نتذكّر أحد مؤسّسي الجامعة الأب لويس شيخو اليسوعيّ، الذي لُقِّبَ بسلطان اللغة العربية، هذا المؤسّس يذكّرنا بأن علينا إكمال المسيرة، وبأن نعلّم حيث نستطيع وحيث هناك حاجة إلى اللغة العربية، وهذه أربعة برامج من معهد الآداب الشرقيّة تلقّن وتعلّم باللغة العربية، وهذا يشجعنا على إكمال المسيرة في هذا المجال".
تابع:" أقول إن اليوم مميز بإطلاق برنامج جديد من الصحافة الاستقصائية، وكما نعلم إن الصحافة هي مهنة نبيلة وضرورية، لأن الصحافة الاستقصائية كاختصاص أساسي لصحافة اليوم، حيث أنها أبعد من الخبر وصانعة الخبر والذين يعملون في هذا المجال نتوجّه إليهم بالشكر لأنهم حراس الديموقراطية، وأصوات من لا صوت لهم وهم المدافعون عن الحقّ".
وأضاف: "أنتم الذين تعملون والذين سوف يعملون، بعد أن تتخرجوا من هذا البرنامج لإحداث التغيير وتسليط الضوء على الظلم وعلى الفساد وإلهام الآخرين لاتّخاذ الإجراءات اللازمة، هي مسؤولية كبيرة لكني مقتنع بأن جميع العاملين في هذا المجال مستعدون لمواجهة التحدّي".
وختم شاكرًا جميع العاملين في معهد الآداب الشرقيّة.
طاولة مستديرة
ثمّ عقدت طاولة مستديرة شارك فيها اللواء البيسري، نجم، وعنيسي، وأدارتها ليال بو موسى التي قالت: "عادة في حفل الافتتاح يقصون الشريط، ونحن اليوم سنربط الشريط، شريط أساسي بين الصحافة الاستقصائية وجامعة القدّيس يوسف التي لا تخاف الصحافة الاستقصائية لا بل العكس تعرف أهميتها، ولذلك تبنّتها وحولتها إلى دبلوم جامعيّ، لأن الذي يخاف الصحافة الاستقصائية هم المتورطون والفاسدون أو الذين يجتمعون حول مصالح معينة.
نجم
تحدثت نجم وقالت: "موضوع الصحافة الاستقصائية كبير وشائك، خصوصًا أن الطاولة تحت عنوان الصحافة الاستقصائية ومكافحة الفساد، واليوم أتصور إذا قمنا باستطلاع رأي وأخذنا مئة شخص كانوا من ضحايا الفساد في الإدارة العامّة إلى أين يتوجهوا؟ معظمهم يذهبون إلى الإعلام، ولسوء الحظ لا يذهبون مباشرة إلى القضاء أو حتى نحو أجهزة الرقابة الإدارية، لماذا؟ لأن للإعلام دور هام، ودور الصحافة الاستقصائية أن تُبرز أدلة تضعها أمام القضاء الذي يجب أن يتحرّك بدوره، فالصحافي الاستقصائي ليس قضاء ولا يجب أن يحلّ محلّ القضاء. يفتش عن الحقيقة الممنوعة عن الناس حتى يستطيع بشكل علمي وموثوق ودقيق أن يضعها أمام الرأي العام وينوّر هذا الرأي بصورة واضحة لتشكّل مادة علميّة بيد القضاء حتى يستطيع أن يُسائل ويُحاسب، وهذا الدبلوم أراه أساسيًا لوضع إطار للصحافة الاستقصائية لأننا لسوء الحظّ في الصحافة عندنا نماذج مختلفة، فعندنا صحافة فضائحيّة أو انتقائية".
وختمت: "موضوع الوصول إلى المعلومات مع حماية كاشفي الفساد هما أداتان يفترض على الصحافي الاستقصائي الاستفادة منهما، فهذا الدبلوم دوره كبير لتطوير الصحافة الاستقصائية التي تهدف لإرساء الشفافية وإرساء المحاسبة، وهو مرتبط بشكل كبير بالنظام الديموقراطي وتطوير الديموقراطية في البلد الموجودة فيه".
البيسري
وكانت مداخلة للبيسري قال فيها: "في الحقيقة هو عمل تكامليّ بين الصحافة الاستقصائية والأمن بهدف الوصول إلى الحقيقة، والوصول إلى الحقيقة هو عمل متواصل ودؤوب ويحتاج إلى جهد وأُسس ومبادىء من أجل الوصول إلى الحقيقة، التي هي لبّ الموضوع في مكافحة الفساد. وبقدر ما يكون عملنا منتجًا، بقدر ما نكون مسؤولين عن هذا العمل، فالعمل الذي نقوم به متلازم مع مسؤولية من أجل الوصول إلى الحقيقة".
تابع: "فالحقيقة تكون لصالح البريء وصاحب الحقّ، ونحن عملنا بالتوازي معكم أي مع الصحافة الاستقصائية من أجل الوصول إلى الحقيقة، واتّفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي التزم بها لبنان عام 2008 ومطلوب من السلطة التنفيذية الالتزام بها وقد نتج عنها قوانين كثيرة منها حقّ الوصول إلى المعلومات وحماية كاشفي الفساد والتصريح عن الذمة المالية. ولأن الصحافة هي السلطة الرابعة تقوم بعملها بشكل مستقلّ مستفيدة من هذه القوانين لتطوير عملها من أجل الوصول إلى الحقيقة، الحقيقة من أجل محاسبة الفاسدين الذين يلعبون بالمال العام وأموال الناس، ومثلما الأمن لديه سرّيّة مطلقة كذلك الصحافة الاستقصائية لديها الحرّيّة وتستطيع النشر، بينما الأمن لا يكشف مطلقًا والحفاظ على السرّيّة من أجل المصلحة العامة لا نكشف عن أي تحقيقات أو أي إفادات إلاّ بإذن القضاء، وعملنا يهدف إلى الوصول إلى العدالة وعدم الإفلات من العقاب، فتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب هما الطريق الأهم للوصول إلى العدالة. علينا مكافحة الفساد الذي يدمّر مؤسّسات الدولة، ومراقبة الناس لنلاحق الفاسد وليس الآدمي".
أضاف: "اللعب بكرامات الناس وسمعتها ليس مسألة سهلة، والإعلام مهم جدا بتأثيره على الرأي العام. والحكم يكون في النهاية للقضاء وليس للصحافة ولا للأمن، بالنسبة لكم أخبار القضاء وبالنسبة لنا التعاون مع القضاء من أجل حماية الناس وليس ظلمها"، مشيرًا إلى أن "العدالة يجب أن تأخذ مجراها، حيث هناك درجات للتقاضي، وفي مرات كثيرة تختلف الأحكام بين بدائي ونهائي، لذلك علينا ألا نطلق الأحكام بل القيام بعمل منتظم وصادق حتى نساعد القضاء والعدالة من أجل الاستقرار في المجتمع".
وختم: "مكافحة الفساد هي هدف أساسيّ لنا، وكلّ همنا إعادة تكوين السلطة وخلع الفساد من المؤسّسات، إذ لا يمكننا أن نكمل بهذه الطريقة التي نعيشها، لذلك نحن وأنتم خصوصًا أن الإعلام مساعد أساسيّ في هذا الموضوع. ونحن كنّا في هذه الجامعة في ذكرى الاستقلال واليوم نحن في احتفال تخريج الاستقلاليين، فاستقلال الوطن مبني على استقلالية الفكر".
عنيسي
كذلك تحدّث عنيسي وحيا بداية، رئيسة لجنة المنفيين قسرًا وداد حلواني لوجودها معهم، وقال: "يظن الفرد أن هناك تضاربًا بين الصحافة الاستقصائية وعمل القضاء وهذا غير صحيح، بخاصة إذا كان كلّ منهما يقوم بعمله، بل يوجد تكامل، لا تضارب لا تعارض. للوهلة الأولى أن عالم القضاء هو عالم الهدوء والعمل بجد، الصحافة حركة أكثر ولكن لا يوجد تعارض شرط الالتزام بمبادئ قرينة البراءة، والذي يؤثر على عمل الصحافة الاستقصائية"، مشدّدًا على "الدور الهام للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي يمكن لها أن تكون صلة تواصل بين الصحافة الاستقصائية والقضاء".
وفي الختام وُزِّعت الشهادات على الخريجين وأُخذت الصور التذكارية في المناسبة.