نظّمت كليّة العلوم في جامعة القدّيس يوسف في بيروت لمناسبة عيد تأسيسها الـ25 وضمن نشاطات الجامعة حول موضوع "قاوم، أعِد التفكير وأعِد البناء. الجامعة في مواجهة الأزمة"، طاولة مستديرة حول الأمن الغذائي والسلامة الغذائية في لبنان، أدارتها الإعلامية أنجيليك مونس طعمة، في حضور وزير الصناعة جورج بوشيكيان، وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض ممثلًا بالمهندسة جويس حداد، وزير الزراعة عباس الحاج حسن ممثلًا بالدكتور محمد أبو زيد، رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ، نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية البروفسور توفيق رزق، عميد كلّية العلوم في الجامعة البروفسور ريشارد مارون، نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان السيد نبيل فهد، نقيب الصناعات الغذائية السيد منير البساط، نقيب مستوردي المواد الغذائية السيد هاني بحصلي، الدكتور إيلي عوض، رئيس الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، ممثل عن وزارة الاقتصاد وحشد من المديرين والأساتذة والطلاّب.
في كلمته التي ألقاها في مستهل اللقاء، رأى البروفسور مارون أن قضية سلامة الغذاء تعتبر "أمرًا بالغ الأهمية لدى جميع المواطنين، ومن المهم أن نناقش الخطوات التي يمكننا اتّخاذها لضمان جودة مأكولاتنا وتأمين الغذاء الصحّي والسليم للمواطن. لبنان بلد غني بالموارد الغذائية، ولكن من المهم أن ندرك أننا نواجه العديد من التحدّيات عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي. تشمل هذه التحديات قضايا التلوث، ممارسات الإنتاج الغذائي غير الآمن، سوء إدارة النفايات، ضعف الرقابة، وعدم فعالية الأنظمة الخاصة بمراقبة الجودة".
وتابع :"للتغلّب على هذه التحدّيات، علينا العمل معًا لوضع حلول مستدامة وفعالة. وهذا يتطلب تعاونًا وثيقًا بين السلطات الحكومية وشركات المواد الغذائية والمزارعين والمستهلكين. يجب على الحكومة أولاً وضع إطار تنظيمي قوي لضمان سلامة الأغذية. ويشمل ذلك مراقبة ممارسات إنتاج الغذاء وتنظيمها، إنشاء أنظمة لمراقبة جودة المياه، وتنفيذ برامج لتوعية المزارعين والمستهلكين حول الممارسات الغذائية الجيدة. كما يجب أن تلتزم شركات المواد الغذائية بتقديم أغذية عالية الجودة تتوافق مع المعايير الدولية لسلامة الأغذية. وهذا يعني اعتماد ممارسات الإنتاج الجيدة، إمكان تتبع المنتجات الغذائية، إنشاء أنظمة مراقبة الجودة وتدريب موظفيها لضمان جودة الأغذية وسلامتها.أخيرًا وليس آخرًا يجب تثقيف المستهلكين حول الممارسات الغذائية الآمنة والأخطار المرتبطة بتلوث الغذاء، ويمكن تحقيق ذلك من خلال حملات التوعية والتثقيف ونشر المعلومات عن الأطعمة الصحية والآمنة".
وختم :"يُعتبر الأمن الغذائي قضيةً حاسمة بالنسبة إلى صحّة جميع المواطنين اللبنانيين ورفاهيتهم. يجب أن نعمل معًا لضمان أن طعامنا صحي ومغذ وآمن للأكل. وهذا يتطلب جهودًا حثيثة من السلطات الحكومية وشركات المواد الغذائية والمزارعين والمستهلكين. على الجميع أن يلعب دورًا كبيرًا في تحقيق هذه المهمة بما يتوافق مع المصلحة الوطنية".
السيدة موّنس طعمه تحدّثت في كلمتها الافتتاحية عن الجامعة اليسوعية في بيروت صاحبة الدور الوطني الأساسي الذي هو أبعد من رسالة إعداد الأجيال. وقالت :" من أبرز أهدافها العمل على خلق إنسان واعي للظروف والحيثيات في هذا الزمن الصعب وقادر على التعامل بواقعية مع مشاكل حياته وأهمها الغذاء وسلامته والتعاون لإيجاد الحلول ودراستها ضمن الممكن والموجود رغم دقّة المرحلة وإمكاناتها."
من جهتها اعتبرت حداد أن "وزارة صحة حين تتطرق إلى واقع معين تستعين أساسًا بمؤشرات علمية. حتى نقيّم سلامة الغذاء، اليوم علينا أن نراقب حالات التسمّم والأمراض التي تنتقل عبر الغذاء إن كانت عوارضها سريعة أو تلك المصنفة كأمراض مزمنة. نتيجة لتلك المراقبة يمكننا القول اليوم أن وضع سلامة الغذاء ليس مطمئنًا. أرقام حالات التسمم كبيرة وهي مثبتة علميًا ومنشورة على موقع وزارة الصحة ويمكن مقارنتها مع أرقام الأعوام الماضية. مصدر هذه الأرقام شكاوى المواطنين التي نتحقّق منها عبر فحوصات مخبرية لنؤكد أو ننفي وجود تلوث بكتيري موضعي وسريع. أما بالنسبة إلى التلوث التراكمي الذي يؤدي إلى أمراض مزمنة، فالأرقام تشير أيضًا إلى ازدياد كبير في إعداد انواع معينة منها في مناطق محددة. إذا أخذنا مثلاً منطقة حوض الليطاني نرى ارتفاعًا ملموسًا بأرقام حالات التسمّم الغذائي نتيجة ري المزروعات بمياه غير آمنة. في عام الـ 2019 أقيمت حملة لرفع التلوث الصناعي وأصبحت معظم المصانع تعالج نفاياتها السائلة. أما اليوم لم يعد باستطاعتنا ضمان استمرار هذه المعالجة لأكثر من سبب وأهمها غياب الرقابة".
من جهته اعتبر البروفسور محمد أبيض، الأستاذ في الجامعة الأميركية ومدير مختبر البيئة والزراعة والأغذية أن معالجة الصرف الصحي الناتج عن المصانع الغذائية قد تمت من خلال قرض من البنك الدولي وتراجعت كميته كثيرًا، ولكن الصرف الصحي الناتج عن مخيمات النازحين والبلدات اللبنانية هو الملوث الأكبر حاليًا لمياه نهر الليطاني التي لا يزال المزارعون يستعملونها بل ففي بعض الأحيان يستعملون مياه الصرف الصحي مباشرة وهي المليئة بالملوثات التي ستنتقل إلى الصناعات الغذائية.
من جهتها قالت الأستاذة في الجامعة اللبنانية وخبيرة الأغذية في المجلس الوطني للبحوث العلمية البروفسورة مهى حطيط:" أثبتت دراساتنا ان 73% من الشعب اللبناني يعاني انعدام الأمن الغذائي وعدم تنوع الغذاء. راقبنا تغير الهرم الغذائي في لبنان ولاحظنا تربع الخبز والمعكرونة على رأس الهرم من ثم يتبعه السكريات ويأتي في المرتبة الثالثة الزعتر ورابعًا الحليب ومشتقاته وخامسًا اللحم والدجاج وأخيرًا السمك. لقد تغيّرت نوعية الأكل في لبنان ولقد تبين معنا في إحدى الدراسات، ولأول مرة منذ 21 عامًا، ارتفاع معدل التقزم عند الأطفال ومعدل البدانة. هذا مردّه إلى أن الأطفال لا يحصلون على الفيتامينات والمعادن اللازمة لنمو سليم وهذا ما يسمى الجوع الخفي." وختمت: "نحن في مرحلة خطيرة."
أما البروفسور حسين حسن، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت فقد اعتبر أن همّ سلامة الغذاء قد أضيف إلى هموم المواطنين، وتابع :"إن النصائح والأرشادات التي يمكن أن نسديها تفقد قيمتها أمام الأزمات التي نعيش فيها. حاليًا هدف الناس الحصول على الغذاء بغض النظر عن جودته. ما قيمة ان نقول للمواطنين مثلاً أنه لا يجوز أن تنقطع الكهرباء عن البراد أكثر من 4 ساعات؟ دورنا الأساسي كمواطنين حاليًا هو الضغط على صناع القرار."
من جهته تطرق البروفسور أندريه الخوري، منسق ماستر السلامة الغذائية ومدير مختبر السموم الفطرية وأمن الأغذية في جامعة القدّيس يوسف، اعتبر أن "الفحص المخبري وحده يمكن أن يحدّد وجود السموم أو عدم وجودها في منتج معين". وإذ أشار إلى أن "السموم الفطرية هي مركبات كيميائية تفرز من الفطريات الموجودة على الزراعات وأهمها الحبوب"، شرح أن "عوارض هذه السموم لا تظهر مباشرة الأ إذا كانت موجودة بكمية كبيرة، وبالتالي يتعرض لها المواطنون بكميات صغيرة يوميًا على فترات طويلة من خلال الحبوب ومشتقاتها بالدرجة الأولى ومن ثم الحليب ومشتقاته، فتتراكم في اجسامهم إلى ان يأتي يوم وتساهم في العديد من الأمراض المزمنة ومنها انواع مختلفة من السرطانات كسرطان الكبد وتؤذي الكلى والجهاز الهضمي والمثانة".
وكشف "أننا أنجزنا أكثر من 50 دراسة على أكثر من 7000 عيّنة من مختلف الفئات الغذائية في لبنان. لدينا دائمًا من 20 إلى 40% من المنتجات التي يستهلكها المواطن اللبناني تحتوي على سموم فطرية أعلى من المعدل. معالجة هذا التلوث تحتاج إلى قرارات تؤخذ على صعيد الدولة."
أما البروفسور توفيق رزق فقد اعتبر أن "على الصعيد الرسمي، ثمة عدم اطلاع على العمل الذي أنجز على صعيد سلامة الغذاء وتضارب صلاحيات الوزارات"، وقال: "هناك نموذج تطبيقي في لبنان يعطي الصلاحية للوزير لتنظيم عملية التواصل والتعاون بين جميع المعنيين بموضوع سلامة الغذاء. ثمة أيضًا نماذج من أنظمة منهجية معروفة علميًا ومطبقة في كل دول العالم والتي تقوم على تقويم الأخطار ومن ثم إدارتها ومن ثم التواصل. إن عملية تقويم الأخطار هي علمية بحتة، ضرورية وأساسية ولا تخضع إلى اي اجتهاد أو تفسير. إن القطاع الأكاديمي يقوم بواجباته من هذه الناحية على أكمل وجه إنما نتائج الدراسات والأبحاث لا يؤخذ بها، وان التطبيق العملاني هو من مسؤولية الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء كما يحددها القانون، ويتم عبر الأخذ بنتائج الدراسات وتحضير خطة عمل على كل الأراضي اللبنانية".
من جهته اعتبر بوشيكيان أن "تنظيم جامعةُ القديس يوسف طاولة مستديرة حول سلامةِ الغذاء والأمن الغذائي، يعني أنّها استشعرت مدى دقّة هذا الملف وخطورته على الاقتصاد والمجتمع والصحّة، خصوصًا إذا شابَه الفوضى، وتراجعَ دورُ الدولة وأجهزتِها، وتفلَّتَ السوق من الرقابة، وتهرّب الصناعيّون من الالتزام بالجودة والمواصفات، وتطلّع التاجر إلى الربح السريع، وغاب الضميرُ المهني والإنساني".
وتابع :"لم نبقِ أيَّ تدبير أو إجراء أو قرار لم نصدره لمساعدة هذا القطاع، والعمل على تطويره وحمايته من الدخلاء الطارئين المزوّرين. آخر خطوة تمثّلت قبل يومين بانشاء وافتتاح مركز وطني في وزارة الصناعة لتصدير المواد الصناعية الغذائية .أما في بدايات الاجراءات الحمائية، فقد بادرتُ في أوّل أسبوع من تولّيَّ وزارة الصناعة، إلى اصدار قرار باقفال المصانع الغذائية غير المرخصة. وما بين هذه الاجراءات، عملت بالتنسيق المباشر والمستمر مع وزارات الاقتصاد والتجارة والصحة العامة والزراعة من أجل مواكبة هذا القطاع وابعاده عن محاولات تشويه صورته واعطاء دعاية خاطئة عنه.ومن أبرز القرارات أيضًا، إصدار قرار مشترك بين وزارتي الصناعة والاقتصاد، يمنع نقاط البيع أي السوبرماركت والمحال التجارية، من بيع سلع غذائية مصدرُها مصانع غير مرخّصة، وتحميل نقاط البيع المسؤولية عن ذلك".
وأردف :"تقوم وزارة الصناعة مع مؤسّسة المقاييس والمواصفات اللبنانية ( ليبنور ) ومعهد البحوث الصناعية وجمعية الصناعيين اللبنانيين ونقابة أصحاب الصناعات الغذائية والمجلس اللبناني لمصنّعي الألبان والأجبان وجميع الصناعيّين المرخّصين، بالعمل الدؤوب والمستمر والمتابعة والرعاية والرقابة الدوريّة والتنبيه والتحذير إلى الإقفال الموقت ومن ثمّ الاقفال الدائم لكلّ من لا يلتزم بخارطة طريق وزارة الصناعة للإنتاج الجيّد.أما بالنسبة إلى المصانع غير المرخصة التي لا تدري وزارة الصناعة بنشاطها ومكانها، أناشد للمرّة الألف المعنيين من أجهزة رسمية وبلدية وقوى أمنية ومجتمع مدني، أن يتعاونوا مع الوزارة تمهيدًا لرفع الغطاء عنهم وتزويدنا بعناوينهم أقلّه. قد يكون بعضهم يعمل وفق المواصفات. وعليه أن يبادر فقط إلى تقديم طلب ترخيص."
وكان هناك مداخلات من الدكتور إيلي عوض وممثلي النقابات والوزارات عن الوضع الكارثي الحالي لسلامة الغذاء في لبنان وكيفية معالجته. وفي ختام المناقشات تمّ الاتفاق من قبل المشاركين في هذه الطاولة على الاجتماع خلال الأيام المقبلة لتحضير ورقة توصيات حيث سيُعرض من خلالها عن خطة عمل حول كيفية متابعة ومراقبة سلامة وأمن الغذاء في وقتنا الحالي خلال الأزمة المستفحلة في لبنان.