عندما فكّرت باستكمال دراساتي العليا، بحثت كثيراً عن جامعة مرموقة. عندما وجدتها، كانت مشكلتي العودة إلى مقاعد الدراسة مجدداً. عندما بدأت، تحوّلت مشكلتي الواحدة إلى حلول لمشاكل أخرى متعددة. عندما استمرّيت، تيقنت أنّ مخاوف التوفيق مع العمل وتطويع الإمكانات الماديّة هموم إداريّة تتكفل بها الجامعة وليست همومي.
بعدما كنت متوجساً مما يمكن أن تضيفه إليّ شهادة جديدة، سرعان ما اكتشفت، ومن الصفوف الأولى فقط، كم تأخرت. بعدما ظننت طويلاً أنّ وظيفتي تملكني طوال العمر، علمت أنّ في هذا العالم بحراً من الفرص، التي إن أردناها فعلاً، اقتنصناها، وبقرار واحد فقط.
منذ انضمامي إلى ماجيستير الترجمة في الجامعة اليسوعية بفرعها في دبي، بدأت أشعر بأنّ شهادة هذا البرنامج ستكون شهادة لي ومني وعني بل وفيَّ، شهادة لن أريد بالضرورة أن أعلّقها على حائط. لأنها ببساطة ستصبح جزءاً من ذاتي، من شخصيتي، من حضوري، ومن مستقبل ملؤه العلم والمعرفة والحكمة وخيارات العمل، التي ستبحث هي عني، قبل أن أفعل أنا.
عندما التحقت بالجامعة تبين لي أنني اختصرت نصف الطريق بمجرّد أن اتخذت القرار. أما الباقي، فتكفّلت به عائلة جديدة مكوّنة من كوادر فريق برنامج ماجستير الترجمة في جامعة USJ فرع دبي. هذه العائلة، التي تمكّنت بكل اقتدار من أن تجمع لطلابها عصارة ما تختزنه مكتبات العالم حول هذا الحقل أكاديمياً، وخلاصات ما وصلت إليه الخبرات المهنيّة بشأنه عمليّاً. وهو بالضبط ما تتطلبه المناهج التدريسية في زمننا هذا، حيث يجب أن يتكامل الشقان النظري والتطبيقي، بتوازن مدروس ومتقن، يؤسّس لتخريج طلاب قادرين على مواجهة مختلف ظروف العمل.
وإذا انحصر هدفي في بادئ الأمر بتحصيل شهادة تمكّنني من تحصيل درجة الدكتوراه لاحقاً؛ فإن طريقتي في النظر إليها أخذت تتغير حصّة بعد حصّة، فرضاً بعد فرض، امتحاناً بعد امتحان، وفصلاً بعد آخر. لقد أصبح كلّ ذلك، متعة بحدّ ذاتها، رغم ما يفرضه علي البرنامج من جهد والتزام وتركيز لا يُستهان بهم إطلاقاً، خصوصاً مع الاستمرار بعملي اليومي مذيعاً للأخبار ومقدماً للبرامج السياسيّة، في قناة العربية الفضائية في دبي.
لا ريب في أنّ انخراطي في برنامج الماجيستير هذا بدأ يُطوِّر، باضطراد مستمر، مساحات من اهتماماتي اللغويّة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، لا بل وراح يحفِّزُني على خوض غمار فضاءات، أكثر رحابة وشموليّة، ولو كان ذلك انطلاقاً من أوجه التشابه الكثيرة بين عالمي الترجمة والإعلام، وصولاً إلى تلاقيهما وتكاملهما، خاصّة إذا ما طُوِّعَ أحدُهما في خدمة الآخر.
إنّ الرسالتين الساميتين اللتين يحملهما هذان المضماران، تعنونهما الحاجة إلى مدّ جسور التواصل المعرفي والحضاري بين شعوب العالم، وضرورة رفع مستوى الوعي الجماهيري الجمعي، عبر أقصى التزام يمكن تحقيقه بأخلاقيّات المهنتين. ذلك أنّ المنظومة القِيَمِيَّة، التي بُنِيَتَا عليها تستوجب تعزيز الانتماء الهُوِيَّاتي، ولكن المنفتح دائماً على الآخر، شريكنا في صعود البشرية أعلى مراتب الحضارة المتمثّلة بضرورات التنمية والتقدم والسلام.
إنني، وإذ أودّ أن أشجِّع المهتمين بهذه المجالات وتفرعاتها على الإمساك بزمام المبادرة لقطع الخطوات الأولى في هذه الطريق المثمرة والمتميزة، أتمنى أن تتمكن الجامعة اليسوعيّة من الاستمرار، عبر مركزها اللبناني، وفروع انتشارها العربي والدولي المقبلة إن شاء الله، بمسيرتها الرائدة في العطاء، منذ نحو مئة وخمسين عاماً، دأبت في خلالها، على نشر العلم وتعميم المعرفة ومواكبة التنوير.
طاهر بركة
إعلامي في قناة العربية
طالب ماجيستير الترجمة – USJ DUBAI