نظّم مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القدّيس يوسف في بيروت بالتعاون مع معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، ندوة بعنوان "الدولة في أزماتها: أي مستقبل للإدارة والخدمات العامة"، في حرم العلوم الاجتماعية في الجامعة بمشاركة النائبة غادة أيوب، الوزير السابق زياد بارود والوزير السابق ابراهيم شمس الدين. وأدار الندوة الاستاذ في الجامعة الدكتور شربل مارون، وذلك يوم الجمعة في 30 أيلول 2022.
مونان
اعتبر مدير المرصد البروفسور باسكال مونان في كلمة افتتاحية أن "لا دولة من دون القطاع العام . وإذا كان القطاع معطّلًا او مشلولًا أو مهدّدًا بالموت، كما هي الحال اليوم، تكون الدولة ذاتُها في خطر".
وتابع :"ازمة القطاع العام في لبنان سابقةٌ للأزمة الاقتصادية والإجتماعية والصحيّة. واكاد اقول انها موجودةٌ منذ نشوء القطاع العام ، لأن النظرة اليه كان فيها الكثير من الخلل وكان يسير بعربتين اذا صحّ القول. بعض الادارات والمؤسسات كانت مستودعًا للمحاسيب والأزلام والمنتفعين في تصرّف اهل السياسة. وكان بعضُها الآخر يضمّ كفاءات كبيرة مستقيمة، لا همّ لها الّا تقديم الخدمة الأفضل بالكلفة الأقل".
وأضاف:"ها نحن اليوم امام ادارات من دون موظّفين ووسائل العمل البديهية من ورق وحبر وكهرباء. مع الأزمة الاقتصادية، وبعد ازمة كورونا يواجه هذا القطاع تحديّات كبيرة، نتيجة تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية، وهجرة الكفاءات الإدارية، التي أفرغت الكثير من الإدارات والمؤسسات. وايمانًا منّا بدور هذا القطاع في نهوض لبنان وفي اطار التعاون بين معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي ومرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد، نفتح الحوار حول مستقبل القطاع العام في مواجهة التحديات انطلاقًا من دراسة وضعها المعهد".
مبيّض
واستهلّت نائبة رئيس لجنة خبراء الإدارة العامة لدى الامم المتحدة السيدة لميا بساط مبيض كلمتها بتوجيه شكر إلى الموظفين "الذين لا خيار لهم الا الدولة القادرة ". وسألت :" كيف يمكن ان ننهض بهذه الدولة من جديد على ضوء التاريخ الغني والمنسي للقطاع العام ؟ كيف نحمي المؤسسات العامة من الانهيار؟ كيف نبقي على الكوادر اصحاب الخبرة ؟ كيف نقنع شركاء التنيمة بأن دعم الحوكمة لا يمر فقط عبر طريق المنظمات غير الحكومية ؟ كل هذه الاسئلة وغيرها كانت دائما محور بحث في معهد باسل فليحان مع كثير من الخبراء، وكان هدفها البحث في كيفية منع الانهيار".
وأضافت "ان التجربة العالمية اثبتت بما لا يقبل الشك انه عندما تغيب المؤسسات الحكومية ، تغيب معها التنمية ، ويصبخ خطر تراجع مدركاتها اكبر. في التقرير الأخير عن التنمية البشرية المستدامة يظهر ان لبنان كان فوق المستوى العالمي على صعيد مؤشرات هذه التنمية ، بينما اليوم هو تحت الخط الاحمر الدولي. ويبقى السؤال الاهم: كيف نوقف هذا التدهور؟ وكم سيتطلب ذلك من سنوات طويلة وصعبة ومن استثمارات مكلفة؟"
وشدّدت على " أن المسؤولية وطنية اولًا. والغريب ان المؤسسات الدولية هي اول من تخلى عن المؤسسات الوطنية واعلنت انها تعمل فقط مع المنظمات غير الحكومية ؟ وهذا نوع من التبسيط لأن هنالك امورًا لا يستطيع القيام بها الا القطاع العام، وعندما لا يفعل ذلك فإن اول من سيتأثر هو المواطن . حكم الاعدام هذا الذي اصدر بتسرع، عزز من ديناميكية المجتمع المدني التي لا تختلف احيانا عن الارتباطات الطائفية وغير الحيادية. الحوكمة مبنية على التعاون بين المؤسسات والمجتمع المدني والقطاع الخاص. والتناقض بينهم خطير ويهمنا التذكير ان كثيرين في القطاع العام لم يوقعوا يومًا عقد الاذعان لا لطائفة ولا لجماعة، بل عقد خدمة الناس فقط ، في ظل دولة مرجعيتها واحدة وحصرية".
حاتم
وعرضت مديرة التعاون والشراكات في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي السيدة سابين حاتم دراسة "مؤسّسات الدولة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية" والتي انطلقت من واقع أن الأزمة المتعددة الجوانب والمتأصلة الجذور عطّلت بشكل او بأخر الخدمات العامة، ومن غياب السياسات والاصلاحات الشاملة للتخفيف من تأثير الأزمة ومن ضعف قاعدة البيانات والأدلّة العلمية التي من شأنها توجيه صانعي القرار والمساهمة في رسم سياسات عامّة فعالة.
وهدفت الدراسة إلى تقييم سريع لتداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية على قدرة الادارات والمؤسسات العامة على الاستمرار في القيام بمهامها وتأمين استمرارية عملها على المدى القصير والمتوسط، وإلى تحديد الإجراءات التي يمكن تنفيذها على المدى العاجل والقصير بالاستناد إلى معطيات علمية من شأنها دعم المؤسسات في تقديم الخدمات الرئيسية للمواطنين وإلى تسليط الضوء واطلاع صانعي السياسات، ووسائل الإعلام، والجهات المانحة على المخاطر المتصلة بالانهيار المؤسساتي، والتعبير عن مخاوفهم بشأن قدرتهم على الاستمرار بمهامهم.
وتبين من الاستبيان الذي ارسل إلى المؤسسات العامة ان استنفاد القدرات وتزايد المخاوف بشأن توفير الخدمات، وعدم الاستقرار في توفير الخدمة العامة قد يؤدي إلى ضائقة اجتماعية حادة وتلاشي العقد الاجتماعي وتهديدات امنية. فالتحديات التي واجهت القطاع العام اثرت على تخطيط واعداد الموازنة، وعلى توريد السلع والخدمات والاشغال والصيانة، وعلى العمل المحاسبي واعداد التقارير المالية وعلى المكننة والخدمات الرقمية وحفظ المعلومات وامنها وعلى الطاقات البشرية. كما اقترحت الدراسة توصيات على المدى القصير والمتوسط.
أيوب
وردًّا عن سؤال للدكتور شربل مارون عن واقع القطاع العام قالت النائبة غادة ايوب :"مرّ هذا القطاع بفترات ذهبية، والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني تشهد على ذلك، وهي التي ما زالت حتى اليوم تؤمن ما يقارب 20 ساعة من الكهرباء لمنطقة جزين ومحيطها . كما ان مؤسسة كهرباء لبنان كانت منتجة ومربحة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. أما مجلس الخدمة المدنية والمعهد الوطني للإدارة فقدّما نموذجًا عن القطاع العام الكفؤ. المشكلة هي بغياب مفهوم الدولة عند البعض ما اضر بالقطاع العام إلى ان وصلنا إلى هذا الواقع المخيف" محذّرة من الإنهيار الشامل الذي سيؤدّي إلى نتائج كارثية . ولفتت إلى ان اعادة بناء هذا القطاع بعد الإنهيار ربما تتطلب حوالى العقدين.
وتطرقت إلى الشغور الكبير لا سيما في الوظائف القيادية، وأسبابه وتبعاته، وأبرزها هجرة الكفاءات. ورأت أن الحل يكون بإعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة، واقرار التحوّل الرقمي في القطاع العام ، وتعزيز استقلالية القضاء واجهزة الرقابة .
بارود
وقال الوزير السابق زياد بارود : "مع الأزمة تأتي الفرص والحلول، لكن الامر متعلق بهوية من سيسير بها قدما. هنالك عدد غير قليل من الناس مستعد للتضحية، لكن لا يمكننا المراهنة على ذلك طويلا، لذلك الحلول يجب ان تكون سريعة وغير سطحية." واعتبر أن المشكلة تكمن في النظام الذي لا يحترم مبدأ الثواب والعقاب ولا يشجع المجلّين في عملهم بل يعتمد مبدأ الترقية الحكمية.
شمس الدين
وتحدّث الوزير السابق ابراهيم شمس الدين فقد تحدث عن المشاكل والعراقيل التي تعترض عمل الوزراء نتيجة للمحاصصة السياسية والطائفية. واشار إلى اهمية فكرة الدولة حتى وهي غائبة، مذكّرًا بأن الامام الراحل محمد مهدي شمس الدين حين اعلن المقاومة المدنية الشاملة ضد الاحتلال السرائيلي، شدد على احترام الدولة ومؤسّساتها.
في الصحف:
L'Orient - Le Jour : Jeudi 15 décembre 2022
Conférence à l’OFP sur l’avenir de l’administration publique dans un État en crise