الخامس من أيلول كان يومًا مميزًا في كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت إذ شهد تسلّمًا وتسليمًا بين العميدة لينا غناجة والعميدة المنتخبة ماري كلود نجم بحضور رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش ونواب الرئيس والعميد الأسبق فايز الحاج شاهين، ورئيس جمعية قدامى خريجي الكليّة ووزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي مع أعضاء اللجنة ومنهم نقيب المحامين في بيروت الأستاذ ناضر غاسبار وأساتذة الكلية.
بعد تسعة أعوام أمضتها البروفسورة غناجة في كليّة الحقوق سلّمت دفّة قيادتها إلى البروفسورة ماري كلود نجم القبع وزيرة العدل السابقة. امرأتان، زميلتان في عالم القانون، وزميلتان في مدرسة سيّدة الناصرة، وأستاذتان مقدرتان غاية التقدير من زملائهما وطلّابهما. نقاط مشتركة عديدة تجمع بينهما، وفي الوقت نفسه، هما شخصيتان متمايزتان تساهمان في إثراء تاريخ مؤسّسة تجاوز عمرها المائة سنة من خلال مقاربتيهما الإنسانيّة والأكاديميّة.
غنّاجة
"على الرغم من أن الجوّ العام في البلد لا يفسح المجال امام الاحتفالات حقًا"، تقول العميدة غناجة، "فإن أعضاء هيئة التدريس سعداء بأن يجدوا أنفسهم بعد عامين مظلمين في جوّ ودّي وهو ما كان سائدًا دائمًا في عائلة الكليّة الكبرى". توجّهت إلى خليفتها معربة" عن أمنيتها تسليمها الكليّة كما استلمتها في العام 2013 "كلية في أوج مجدها" لكن لسوء الحظ، يأتي هذا التسليم "في ظل أزمة عنيفة تؤثر على الجامعات وتحوّل دور العمداء"، والتي يتمثل أحد آثارها الضارة في "تقييد التفكير الأكاديمي ووقت الكتابة"، ما يثير خطر "قلّة الفكر" على حدّ تعبير العميدة المنتهية ولايتها والتي توقفت على التحديات التي كان عليها مواجهتها لا سيّما في المسائل المالية التي تقلق العمداء، قائلة" لخليفتها: "في أرض اليسوعيين سرعان ما ستتعلمين فن التسوّل بكرامة من أجل مجد الله الأعظم"، كما أصرت على الحاجة إلى الحفاظ على دور الكليّة ومكانتها في المساهمة في النقاش العام خصوصًا انه في وقت من الأوقات لم يكن القانون موجودًا إلاّ في قاعات شارع هوفلان"، وأكدّت على ضرورة الحفاظ على إيقاع أنشطة الكليّة وقيمها.
نجم
من جهتها ردّت العميدة الجديدة البروفسورة نجم ببلاغتها المعهودة وذكّرت بالمسار الاستثنائي لغناجة على مدى السنوات الماضية وشخصيتها الفريدة ورفضها الرداءة في مختلف أشكالها، وحفاظها على التوازن الدقيق وإجادتها تطبيق "السلطة بلا إرغام؛ والحزم بلا تصلّب؛ والتشدّد بلا قَطْعِيَّة؛ والإحسان بلا تهاون؛ والتواضع بلا الغياب؛ والشجاعة بلا تهوّر؛ والاعتدال بلا فتور؛ ودقّة اللغة بلا تصنّع؛ والظرافة بلا سخرية".
كما أعادت العميدة الجديدة تأكيد حرصها الشديد "على الحفاظ على جودة التعليم والاستثمار في الابتكار والبحث وتطوير أدوات الاتصال والشهادات المشتركة مع الجامعات الأجنبية". وأصرّت العميدة نجم، في سياق روحية "المقاومة الثقافية" التي دعا إليها رئيس الجامعة الراحل سليم عبو والتي يواصلها رئيس الجامعة الحالي البروفسور دكّاش، على أهمية المشاريع الملموسة التي تعزّز "انخراط الطلّاب في الشأن العام". كما دعت إلى "مواجهة الأزمة الأخلاقية العميقة" التي نمرّ بها وإلى "بثّ رياح الأمل في نفوس شبابنا، وطرد الرثاء، والتشمير عن سواعدنا"، وإلى مصالحة جيل الشباب مع وطنه: "هذه الدولة، عليه أن يستحقها وأن ينتزعها اختراقًا بعد اختراق... دعونا لا ننسى أن الجداول الصغيرة هي التي تصنع الأنهار الكبيرة".
هذا التكريم المتبادل بين العميدتين شمل أيضًا نائبة العميدة عايدة عازار التي سلّمت مهامها لنائبة العميدة الجديدة السيّدة سامية أسمر، وتوقف الحضور على ذكرى أساتذة وعمداء الكليّة الذين غيبهم الموت في الفترة الأخيرة، وعلى مكانة الكليّة المستقبلية.
الحلبي
الوزير عباس الحلبي حمل معه مفاجأتين وكانت له كلمة جديرة بالملاحظة، أشاد فيها بالعميدة المنتهية ولايتها، ومرحبًّا بالعميدة الجديدة، وأعلن في خلالها عن تخصيص مبلغ من جمعية الخريجين للمنح الدراسيّة في الكليّة وسلّمه فورًا للعميدة الجديدة، كما قلّد العميدة غناجة وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور تقديرًا للخدمات التي قدّمتها خلال فترة عمادتها مستحضرًا في هذه الصدد "القلب والكفاءة والتفاني" وهي صفات مكّنتها من "جعل أقسى البحار قابلة للملاحة". تقدير مستحق أسعد الحاضرين وتلقته غناجة بتواضعها المعتاد.