وائل قبرصلي: سبّاح الحبّ الأوحد
كان يُعرَف، بدايةً، بين زملائه السبّاحين بـ«الدعبول»، نسبةً إلى عائلة أمّه المؤلَّفة من ثمانية سبّاحين. وفي المدرسة، بقي بين رفاقه «السمكة تحت الميّ» التي لا تخرج لتشاركهم نشاطاتهم إلّا نادراً، إلى أن فرض لقباً جديداً جعلهم ينسون كلّ الألقاب السابقة وحوّله إلى: «القبرصلي». يصل وائل قبرصلي إلى الموعد متأخراً، ففي التاسعة مساءً كان لا يزال يتمرّن. بطل لبنان في السباحة منذ عام 2006 وممثّله في الألعاب الأولمبيّة في العشرين من عمره، إلّا أنّ الغرور لم يستبدّ به، بل على العكس، تراه قادراً على تمييز الخط الرفيع الذي يفصل بين الفخر والغرور. وائل فخور، لكنّه مرح، عفوي، ومنظّم أيضاً.
قصة التنظيم هذه تعلّمها من جده، مدربه ومعلمه الأول. فجدّ وائل عفيف دعبول (أبو علي)، ملاكم سابق، ثابر على تعليم أولاده الثمانية السباحة، لأنهم كانوا يعانون مرض الربو. لكنّ دعبول سعى إلى التميّز، فأنتج عائلة تُوّج أفرادها مرّات عدّة أبطالاً للبنان في السباحة، كان آخرهم عمر دعبول بطل لبنان ثمانية مرّات على التوالي. يتذكّر وائل أوّل مرّة ذهب فيها للسباحة. كان في السادسة من عمره وكان بصحبة جدّه. «أخذني إلى Beach club خلدة. كنت ممتلئاً بقصص العائلة، وحالما وقع نظري على المسبح ركضت ورميت بنفسي في الماء. رحت أغرق طبعاً، فانتشلني جدّي بسرعة وأنّبني قائلاً إنّه ليس بهذه السرعة تجري الأمور».
يرى «القبرصلي» أنّ أهمّ ما أعطاه إياه «المعلم الأول»، بغضّ النظر عن تدريبات السباحة، هو الإيمان بأنّه ليس هناك من مستحيل في الحياة، إضافةً إلى التنظيم والانضباط. التأخير في مواعيد التدريب أو محاولة تضييع الوقت خلالها ليس مسموحاً بها. تنسحب هذه التعليمات على طريقة تفكير وائل، فتلاحظ أنّ أفكاره لا تتشابك أو تتعدّى بعضها على بعض، ويظهّرها كلاماً شفافاً دقيقاً.
ترك «البرمائيّ» حوض الماء العائلي، عندما كان في الثانية عشرة من عمره، متّجهاً إلى نادي «رمال»، تحت إشراف المدرّب إيلي بطرس، في خطوة أولى نحو الاحتراف. لم يبقَ وائل وقتاً طويلاً في الظلّ، وسرعان ما طفت موهبته على سطح الماء. فعندما كان في الخامسة عشرة من عمره، ينتمي إلى فئة «الصبيان» في السباحة، نجح في كسر رقم فئة الرجال في اختصاصه، أي سباحة الصدر. يقول وائل: «عرفت عندها أنّني مميّز في هذه الرياضة، لأنّ ما فعلته كان أمراً غير مألوف». بعدها سُلِّطت الأضواء على قبرصلي فطلبه عام 2004، نادي «الجزيرة»، الذي كان يرأسه وقتها يحيى العرب الذي سقط مع الرئيس رفيق الحريري. بقي في هذا النادي حتى اليوم، وهناك يتلقّى التدريب تحت إشراف المدرّب الفرنسي ــــ الجزائري يوسف عيسى.
أكبر إنجازات وائل لم يكن تربّعه على عرش بطولة لبنان، وخصوصاً أنّ عائلته لم تكن تجد صعوبة في الحصول على هذا اللّقب، فكان عليه أن يأتي بالجديد. أوّل بطولة شارك فيها «القبرصلي» خارج لبنان، كانت «بطولة الصداقة الدولية للألعاب المائية» في الكويت (2004). يقول وائل: «كانت أوّل مرّة أشارك فيها في بطولة في الخارج، وأوّل مرّة أصعد فيها على متن الطائرة. كنت سعيداً جداً بالحدثين، وخصوصاً أنّني لم أعد فارغ اليدين بل نجحت في إحراز الميدالية الفضيّة». كانت تلك أوّل ميدالية دوليّة يحصدها، أمّا الميدالية الأعزّ على قلبه، فالفضيّة التي أحرزها في بطولة العرب في القاهرة، عام 2007. «كنت أوّل «ذكر لبناني» يحصد ميدالية في بطولة العرب، بعدما كان يستأثر الجزائريّون والتونسيّون ــ الذين يتمرّنون في فرنسا إجمالاً ــ والمصريون بالمراتب الأولى. لم يكن أحد يحسب للبناني حساباً. أجمل لحظة في حياتي كانت لحظة ارتفاع العلم اللّبناني لأوّل مرّة في البطولة العربيّة وأنا أتوّج على المنصة». كان هذا أوّل «جديد» يعود به وائل إلى الوطن. وغالباً ما يجد «القبرصلي» طريقة للعودة بالحديث إلى جدّه، فيقول: «استقبلني وقتها جدّي قائلاً «هذه أسعد لحظة في حياتي». عنت لي هذه الجملة كثيراً، وخصوصاً أنّها صدرت عن رجل في السابعة والسبعين من عمره».
أمّا الجديد الثاني الذي حقّقه وائل، فكان على مستوى العالم. ففي بطولة العالم في السباحة (مانشستر ــ 2008)، استطاع أن يتقدّم بلبنان على لائحة التصنيف العالمي من المركز الـ51 إلى المركز الـ27 في سباحة الصدر، وكانت تلك المرّة الأولى التي يحتلّ فيها لبنان هذا المركز أيضاً.
اقتنص «القبرصلي» من أيدي منافسيه، فرصة عيش «حلم كلّ رياضي» والمشاركة في الألعاب الأولمبيّة في بكين (2008)، وكان السبّاح «الذكر» الوحيد الذي يمثّل لبنان هناك. أحرز وائل في «الأولمبياد» المركز الـ57 من أصل 120 مركزاً.
اليوم يقف «القبرصلي» على أبواب استحقاقات مهمّة له وللبنان، كما يشدّد دائماً، فالوطن بالنسبة إليه أكبر من الفرد. ينطلق «الجندي المجهول» ليشارك في بطولة البحر المتوسط في بيسكارا (إيطاليا) عمّا قريب، كما أنّه يشارك في بطولة العالم، للمرّة الرابعة، في روما، في 28 تموز (يوليو) المقبل.
هل يحلم بذهبيّة العالم؟ يبادر إلى القول بسرعة: «لا. ليس لأنني عدلت عن الإيمان بفلسفتي التي تقول إنّه ليس هناك من مستحيل، لكنني واقعي أيضاً. فلا الحظ يكفي اليوم للفوز ولا الموهبة أيضاً، الأمر عبارة عن معادلة: بعدد الساعات التي تتمرّنها تلقى النتائج. أتمرّن الآن ثلاثين ساعة أسبوعياً، لكن ما دُمت في لبنان فمعادلتي خاسرة. جلّ ما يمكنني أن أحلم به الآن هو بطولة العرب، وبعد جهد جهيد، ربما، بطولة آسيا، فنحن ليس لدينا بيئة تصنع الأبطال بعد. لا الدولة تدعمنا كما يجب، ولا الإعلام يهتمّ بنا أو حتى ينقل البطولات التي نشارك فيها».
يضحك وائل كثيراً عندما يتذكّر مغامرته في بطولة العالم (2008) في مانشستر. راح الفريق اللبناني يستدلّ على الفندق الذي من المفترض أن يقيم فيه وكانت الساعة الثانية عشرة ليلاً، وكان أوّل سباق سيشارك فيه وائل في السابعة صباحاً. «كنت أسابق الوقت حتى أستطيع النوم قليلاً قبل السباق. طائرات الفرق الأخرى حطّت في المدينة قبل أسبوعين، لكي يعتاد السباحون مسبح السباق والمناخ والطعام، ويرتاحوا نفسياً وجسدياً. فكرت في سرّي في أن المسؤولين عنّا في لبنان، يقتلون حلمي ويحكمون عليّ بالفشل».
يدرس وائل إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف. ومن بين سلسلة المشاكل التي تواجهه كرياضي، يشكو «القبرصلي»، من غياب التنسيق بين القطاع التربوي والقطاع الرياضي، حيث لم يتوانَ أحد أساتذته عن إعطائه «صفراً مدوّراً» في إحدى المواد لأنّه تغيّب عن صفّه، ولم يكترث بعدها لكون وائل كان يمثّل لبنان في الخارج: «لا يهمّني أين كنت، المهم أنّك تغيّبت عن الصف». في المعركة التي يخوضها وائل يومياً للتنسيق بين وقت الجامعة ووقت التدريب، ضاعت حياته الاجتماعيّة وخسر قبلها مراهقته، لكنه يقول: «لم أندم يوماً على تفضيلي السباحة على كل شيء آخر، لأنني لا أتخيّل نفسي إلّا سبّاحاً».
5 تواريخ
1988
الولادة في بيروت
2004
تحطيم الرقم القياسي في سباحة الصدر، فئة الرجال فئة الرجال
2007
الميدالية الفضيّة في بطولة العرب
2008
حقّق للبنان المركز الـ27 في بطولة العالم في مانشستر (بريطانيا)، وشارك في الألعاب الأولمبيّة في بكين (الصين)
2009
يشارك في بطولة البحر المتوسط في بيسكارا (إيطاليا) وفي بطولة العالم، للمرّة الرابعة، في روما (إيطاليا) في 28 تموز (يوليو) المقبل
عدد الخميس 19 آذار 2009