نظّمت المرشديّة العامّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت وقسم التاريخ والعلاقات الدوليّة لقاءً مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في حرم العلوم الإنسانيّة، مسرح بيار أبو خاطر -طريق الشام، حضره رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعي ونوّاب الرئيس وعمداء ومديرين وعدد محدود من الضيوف والطلاّب، احترامًا للمسافة الاجتماعيّة الآمنة والإجراءات المتبّعة نتيجة تفشّي وباء كوفيد-19، وخلاله أجاب البطريرك على 12 سؤالاً أعدّه طلاّب قسم التاريخ جاءت في ثلاثة محاور: في السياسة؛ في التاريخ؛ في الاجتماع. ودارت الأسئلة حول الحياد، ومواصفات رئيس الجمهورية العتيد، والثورة، والهجرة، انفجار 4 آب، ودور الجامعات وغيرها من الأسئلة الصريحة والمباشرة.
بدأ بالنشيد الوطني اللبناني، وكلمة عميدة كليّة الآداب الدكتورة ميرنا غنّاجة، ثمّ كلمة المرشد العام للجامعة الأب جاد شبلي اليسوعيّ، بعدها كلمة لرئيس الجامعة البروفسور دكّاش.
أدار اللقاء رئيس قسم التاريخ والعلاقات الدولية الدكتور كريستيان توتل والسيّدة يمنى الجميّل زكّار.
غناجة
رحّبت العميدة غناجة بالبطريرك الراعي في بيته في جامعة القدّيس يوسف، وقالت:" إنّكم رجل الرب وأنتم أيضًا رجل الوطنية، وإنّ البطركية المارونية لا تستسلم أمام الظلم، وما زالت تجسّد قوّة معنوية للشعب اللبناني تعلن المبادئ والثوابت، تقول الحقيقة، هذه الحقيقة التي وصفتموها في الرسالة العامة السابقة في بكركي بالمحررة والجامعة". وأضافت: "إنّ جميع هذه المبادرات التي قمتم بها، حملت رسالة خاصةً الى الشباب، مفادها أنّ الحرية مقدسة ولا يمكن لأيّ كان أن ينتزعها من شخص الإنسان مهما حكمت الظروف".
" إنّكم المرجع العالي للشباب، لا تخضعون ولا تجاملون ولا تسايرون ولا تتنازلون. وهذا ما يسعى إليه شبابنا رجال تشغلهم القضايا الكبرى ويجتازون العديد من مسالك الشك للوصول الى اليقين. وبمقدار ما هم يسألون فإنهم يؤكدون إيمانهم. إيمانهم بالله، إيمانهم بالإنسان، إيمانهم بالوطن".
وختمت قائلة: "إن كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة ترفض ما يعطِّل حق المواطنين من ممارسة حقوقهم الوطنية وتعتبر أن الحوار هو الطاقة التي تولِّد الأمل إذ أن موقعه في صميم ديناميكية الحياة. لذلك إننا في هذا اليوم نطلق صرختنا معكم لكي يُحترم شخص الإنسان في كرامته الأصلية فيمتنع الشباب عن الهجرة ويستفيد لبنان من كفاءاتهم".
شبلي
المرشد العام للجامعة الأب جاد شبلي اليسوعيّ وبعد ترحيبه بالبطريرك الراعي وبالحضور ذكّر بشعار حمله اليسوعيون معهم حين جاؤوا إلى لبنان وأسسوا رهبانيتهم فيه: "في كلّ شي نخدم ونحب" مؤكّدًا على الاستمرار في عيش هذه الخدمة في المجالات كافّة وتجاه كل إنسان مهما كان انتماؤه أو طائفته، وأكّد أن المرشديّة تحمل همّ الطلاّب لا سيّما في هذه الظروف الصعبة.
وشكر جميع الذين ساهموا في إنجاح هذا اللقاء خصوصًا السيّدة يمنى الجميّل زكّار.
دكّاش
توجّه دكّاش إلى البطريرك الراعي قائلاً: " تعتزّ وتفتخر جامعة القدّيس يوسف في بيروت بأن تستقبلكم في رحابـها وصرحها الأكاديمي الذي يحتفل هذه السنة بالذات بالماية والست وأربعين سنة على تأسيسه. إنّكم اليوم تحلّون في بيت تعرفونه، وتحبّونه، فمدرستكم الثانويّة، ثانويّة سيّدة الجمهور وأنتم من متخرّجيها شاهدة على قدراتكم الفكريّة والعلميّة والأدبيّة".
وأضاف: "تعرف كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعتنا وطلاّبـها يعرفون تألّق تعليمكم في الحقّ الكنسي وارتباطه بالحقّ المدني، اليوم أتيتم بيننا للإصغاء إلى أسئلة أعدّها طلاّبنا في أمور هامّة ومصيريّة، تتعلّق بأوضاع الوطن اللبناني والهويّة وعلاقات الانتماء والحياد وقضايا الوطن العربي وعلى رأسها قضيّة فلسطين ودَور الجامعة في ظلّ الأزمات التي نعيشها وكذلك عن كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي ما زال يتردَّد صداه العنيف في هذه القاعة بالذات منذ الرابع من آب".
وتطرّق دكّاش إلى الهمّ الوطني والوجدانيّ الذي يحمله البطريرك تجاه لبنان، وختم بالقول: "تقف الجامعة عاملة مساندة من أجل بناء لبنان المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والشفافية والأخلاق والعدالة. سيّدي الكلمة لكم الآن كما في كلّ يوم، ملتمسين من نيافتكم البركة على جميعنا، على هذه الجامعة وعلى اللبنانيين".
مواقف البطريرك
تميّز اللقاء بالإجابات الصريحة والمهمّة للبطريرك إذ قال: "حينما مارس لبنان الحياد كان يعيش ببحبوحة وكان هناك انفتاح على كلّ الدول"، وأضاف: "كنّا نستقبل رؤساء جمهوريات وملوك وبدأنا نتراجع إلى الوراء مع الدخول في الأحلاف والحروب الإقليميّة، واليوم أخرج لبنان من حياده وأدخل الصراع وأصبح ورقة للتفاوض بين الدول".
وتابع: "نحن بحاجة إلى السيادة الداخلية ولا يمكن تطبيق ذلك إلاّ عبر دولة القانون والعدالة وعبر الجيش والقوى الأمنية، وعلى الصعيد الخارجي عبر عدم التدخل بشؤون الدول وحماية أنفسنا من أي اعتداء خارجي".
وقال: "الفاتيكان يعمل بطريقة أخرى ويذهب على خط ساخن بالنسبة لقضية لبنان، وأنا أجزم أن تأجيل زيارة البابا للبنان مرتبطة بعدم تشكيل حكومة، وأنا أعتقد أن هذا السبب الأساسي لعدم حضوره".
وأشار الى أنه "لا يعرف ما معنى مؤتمر تأسيسيّ وما هي أهدافه، وعندما يكون مجهولاً نكون ضده لأننا لا نعرف مضمونه وأهدافه، أما المؤتمر الدولي الذي نطالب فيه فهو معروف المضمون والأهداف".
وأردف: "لبنان قائم بالميثاق على العيش معًا مسلمين ومسيحيين وعلى تنوّع طوائفنا ومذاهبنا، والمثالثة تلغي التوازن، ولا طير بثلاثة أجنحة، وهو خطر لأنه يضرب الميثاق الوطني، ما نريده هو العيش مسلمين ومسيحيين بالمشاركة والمساواة بين الحكم والإدارة، التي اتفق عليها بالطائف وأصبحت بالدستور".
وقال: "أصبح هناك الكثير من التشويه للصورة اللبنانية، وبعض الممارسات السياسية شوهتها، ونقول إن لبنان يجب أن يستعيد صورته الحقيقية، لبنان بخطر بسبب الممارسة السياسيّة الخاطئة وبسبب ارتباطات وولاءات بدول أخرى واستيراد عادات وتقاليد وأنظمة وممارسات غير طبيعتنا اللبنانية، وكيان لبنان مهدد، أي هويته وتعدديته وديمقراطيته". واعتبر أن الطبقة السياسيّة لا تحترم اللبنانيين في حين أنهم يحترمونها.
وعن الوضع الاقتصادي، لفت الراعي الى أن "الحل يكمن في الاستقرار وفي استعادة ثقة اللبنانيين في الداخل والخارج وثقة الدول، وللأسف، المسؤولون غير معنيين ولا يريدون للدولة أن "تمشي" ولا يمكن لها أن تسير من دون حكومة".
وقال: "الرئيس القوي يجب أن يكون الأول لبنانيًا ومتجردًا لا مصلحة خاصة له وغير مرتبط بأحد"
وعن الثورة قال: "باركناها ونريدها أن تستمر وهي نجحت بخلقها تيارًا عامًا يسعى إلى الأفضل".
وردًّا على سؤال حول دور الجامعة والمؤسّسات التربوية اعتبر البطريرك أن صمود المؤسسات التعليمية مهم جدًا وأنها تبذل ما بوسعها لتقف إلى جانب طلاّبها وتساندهم والقيمون عليها أدرى بقدرتهم على القيام بالمزيد في سبيل التضامن.
وعن حول اللحظة التي تلقى فيها خبر انفجار 4 آب روى البطريرك أنه كان في طريقه إلى الديمان حين سمع دوي الانفجار وعلم من الإذاعات أن انفجارًا هزّ قلب العاصمة وقال: "في الرابع من آب كنت في طريقي من بكركي الى الديمان، وسمعنا دويّ الانفجار ولدى وصولي الى الديمان عرفت أنه تفجير في مرفأ بيروت، وأدمت المشاهد قلبي، فقصدت في اليوم التالي مطرانية بيروت وزرت سيادة المطران بولس عبد الساتر، كما زرنا سيادة المطران عودة ومستشفى الجعيتاوي ومستشفى الوردية ، وبعض المدارس، وبعدها زرت فوج الإطفاء حيث كان الموقف المؤثر والأصعب على الاطلاق. أما في ما يتعلّق بالتحقيق فأنا قلتها منذ البداية، لا يمكن لقاض واحد أن يستلم هذه القضية، وأنا دعوت لتحقيق عدلي مساعد من الدول بما أنه كان هناك ضحايا غير لبنانيين، لكن دعوتي لم تلق آذان صاغية، وما زلت لا أفهم كيف أن الأقمار الاصطناعية لم تعطنا صور من موقع الانفجار، هناك علامة استفهام كبيرة على هذا الملفّ".