كتبت الزميلة روزيت فاضل في جريدة النهار اللبنانية
يرفع رجل الأعمال #سليم إده اليوم، صوت الأمل أكثر من اي وقت مضى في وجه البشاعة والتعاسة في العاصمة المجروحة #بيروت لأنه متورط بحب لبنان.
المعادلة بسيطة: وظيفة النخب في لبنان أمثال سليم إده، أن تجرؤ حيث يخنع الآخرون.
بالنسبة إليه، الإستسلام مرفوض وممنوع. مبادراته مستمرة، وهي فعل مقاومة في هذا الظرف العصيب.
في حديثه الى"النهار"، وضع إده في أولوياته ضرورة دعم التعليم والثقافة، بدءاً بمرفق وطني مرموق هو جامعة القديس يوسف، وصولاً الى #متحف "ميم" للمعادن، وهو متحف خاص أسسه إده بمعايير عالمية في قلب الجامعة ذاتها.
طرحه هذا يجب ألّا يثير استغرابك لأن من يتابع السيرة الذاتية لإده، يدرك انه تعلم من مدرسة الحياة، الدور الريادي للثقافة وأهمية التحصيل الأكاديمي الذي تابعه في كبريات الجامعات الأميركية والفرنسية، ونتج منه تأسيسه شركة "موركس" الذائعة الصيت في العالم.
الى صلب الموضوع. سليم إده يعود الى نقطة انطلاقته لبنان ليعلن نيته توسيع متحف "ميم" الذي هو بإدارة السيدة سوزي حكميان، ليضم جناحاً للمعدنيات وجناحاً آخر للأحافير وجناحاً ثالثاً - وهو مدار بحث في مراحل إنجازه، على أن يخصص للتنوع البيئي الحيوي في عالم النباتات والحيوانات في لبنان المعاصر.
ماذا تعني كلمة "ميم"؟ أجاب إدة ببساطة انها "الحرف الأول من متحف، معدن، ومنجم".
في جديده أن "المساحة الإجمالية للمتحف بأكمله تزيد اليوم على ألفي متر مربع، ويـتألف من مساحة جديدة قدمتها إدارة جامعة القديس يوسف 750 مترا مربعا للجناح الثالث، في حين تمتد مساحة جناحَي المعدنيات والأحافير على 1300 متر مربع داخل المتحف".
إنجرف إده وراء هواية جمع المعدنيات، وما لبث أن قرار تأسيس هذا المتحف ليتشارك مع الجمهور تذوّق هذه المجموعة الفريدة والنادرة، التي تجمع بين الجمال والفن والثقافة.
ساهمت معرفة إده بعالم المعادن، ومنشأ كل منها، بجمعه 5 آلاف قطعة معدنية تعود الى 70 بلداً، وهي معروضة في المتحف. قال: "المعدنيات هي مادة جمال موجودة على كوكبنا، تشكلت من تكوينات جذابة وهي من صنع الطبيعة والزمن، والتي تتحول الى أشكال هندسية خلابة منها المكعبات مثلاً". وأعطى نموذجاً عن جمال حجر المرو المعروف بالـكوارتز المعروض هنا، وهو مكون من الحجر الرملي، فيما معدنية الكالسيت مكونة من الحجر الأبيض الكلسي، مشيراً الى أن "الزوايا المختلفة في المتحف توفر المعلومات عن كل معدنية من خلال أدوات اتصال حديثة، ووسائل سمعية وبصرية متطورة جداً، وهذا يسري في كل أقسام المتحف والمعدنيات، منها المشعة أو تلك الحاضنة لمعادن ثمينة من فضة وذهب أو أحجار كريمة كالزمرد والتوباز على أنواعه..."
الى الجناح الثاني اللبناني الصرف والخاص بالأحافير. ذكر إده "أن المجموعة المتنوعة والمستخرجة من صخور مقالع في قضاء جبيل، ولاسيما من قرى حاقل، النمورة وحجولا هي قيمة وطنية وتاريخية في آن واحد وثروة علمية لما كانت عليه الحياة البحرية والمائية وتطور الكائنات الحية فيها قبل ملايين الأعوام".
وتبرز في الجولة مجموعة أحافير أسماك على غرار القرش، السردين، وسمك أبو المنشار وسواها، وصولاً الى القشريات، منها القريدس، الكركند، الأخطبوط... مروراً بأحافير السلحفاة، الأفاعي، والسقاية وبعض أحافير الحشرات والنباتات وأحفورة مجسم الطائر المجنح المعروف بـ"ميمودكتيلوس" ومن جنس عُرف بـ"ليباننسيس" تيمناً بلبنان البلد المكتشفة فيه هذه المتحجرة.
ماذا عن الجناح الثالث المنوي إنشاؤه؟ يتطلع إده الى إنشاء "جناح ثالث خاص بالتنوع البيئي الحيوي في عالم النباتات والحيوانات في لبنان المعاصر"، مشيراً الى أن "الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو توعية الزوار على أهمية البيئة اللبنانية وضرورة المحافظة عليها".
ماذا سيضم هذا الجناح تحديدا؟ أجاب بحماسة أن "لبنان بحكم طبيعته يتمايز عن محيطه بجباله التي خلقت مناخاً ملائماً لنمو نباتات عدة وعيش قائمة من الحيوانات بأمكنة عدة فيه"، لافتاً الى أن "للنباتات أهمية كبرى باعتبارها تضم 90 نوعا وبعضها فريد من نوعه، ومن القائمة أيريس Sofarana وهي زهرة برية نادرة متمايزة بألوانها الأصفر، الأسود والليلكي، وصولاً الى أنواع من نباتات الزعتر وعروس الجبل وسواها".
عن اختيار الحيوانات، ذكر إده أنها "ستضم مجموعة من أنواع الثديات منها الوبر المعروف بالعامية بـ"الطبسون"، وهو حيوان فريد في محمية جبل موسى وصولاً الى القُضاعات ومفردها قُضَاعة، والتي تعرف أيضا باسم ثعالب الماء وكلاب الماء الموجودة في النهر الكبير، مروراً بنماذج للواوي، الذئب، الثعلب وبعض الدببة العابرة في طريقها الى منطقة الهرمل شمالاً من سوريا الى لبنان".
كيف سيتم تنفيذ هذا المشروع؟ "المشروع سيتحقق، وهذا أمر حتمي. لكننا ما زلنا ندرس آلية تنفيذه وهي تتأرجح ما بين خيارين: الأول تحنيط المجموعات في هذا الجناح ، فيما الخيار الثاني يطرح إمكانية تحنيط بعضها وإبراز ما تبقى من هذه المجموعة في وثائقي عنها في مكان تواجدها".
وأشار الى أن "جائحة كورونا فرضت التروي في إنجاز هذا المشروع، الذي يمكن أن يوفر العمل لمؤسسات محلية عدة".
"رغم جمال هذا المتحف وروعته، يبقى الهم والخوف على مستقبل لبنان همنا الأكبر". يقطع إده حبل أفكارنا السوداوية التي تولّد لدينا القلق والخوف على المصير قائلاً: "خلاص لبنان من وطأة اعبائه يرتكز على اقتصاد منتج يوازيه دور أساسي للإنتاج الفكري المنفتح على تعدد الوسائل الحديثة والمتطورة..."
غادرنا المتحف العلمي المدهش والرائع جداً لنعود الى ما نحن عليه ... الى جحيم بيروت!