الصورة لستيفان مولر من خلال موقع پكسلز
التفاؤل (Optimism) هو الميل إلى النظرة الإيجابية في الأمور، كأن نركز على الجانب الملآن من كوب الماء. وفي مقابل التفاؤل نجد التشاؤم، النظرة إلى الجانب الفارغ من كوب الماء والتركيز على السلبي. وعادةً لا نفكر بالتفاؤل كموقف فلسفي، ولكن عدّة فلاسفة كديمقرطس وليبنتس وريشر حاولوا الوصول إلى نظام فلسفي وتعليل لموقف التفاؤل، تحديدًا ليبتس الذي اتصل اسمه بمقولة: "نحن نعيش في أفضل العوالم المحتملة".
لعلّ أوّل وأشهر من تحدّث عن التفاؤل الفلسفي الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس، الذي أراد بناء أخلاق قوامها العقل، وهدفها تحقيق السعادة الإنسانيّة. فالعقل هو جوهر النبل عند الإنسان الذي يحررّه من الخرافة والمخاوف ويدعوه إلى الطمأنينة والبهجة. على الإنسان أن يسعى نحو الخير بسلوكه وعمله، عبر إبعاد نفسه عن الغضب والشر، والاقتناع بالقليل. فالقناعة لا تعتمد على المادة بل هي سلوك متفائل يجلب السعادة بذاته.
أمّا ليبنتس، صاحب مقولة "أفضل العوالم المحتملة" فيذهب أبعد من هذا بكثير. فيقول أن الله متى أراد أن يخلق عالمًا، كان قادرًا أن يخلق أي واحد من عدد لا متناهي من العوالم المحتملة لأن الله كلي القدرة. وبما أن الله كلي الحكمة، فهو يختار لسبب مقنع وكافٍ، فيختار، وبما أنّه خيّر بالمطلق، فهو يختار الاكثر خيرًا. إنطلاقًا من كل هذه الأسباب، يؤمن ليبنتس أن الله خلق أفضل العوالم المحتملة. ووجود الشر لا يجب أن يكون دليل على عالم أسوأ، فالشر ليس إلا ابتعادًا عن الله الخيّر، وما الشر إلا غياب الخير، ولا يمكن القول أن الدائرة الفارغة في الدونات (donut) هي شيء إلًا غياب العجين، ولا يمكننا القول أن خابز الدونات قد خبز الدائرة الفارغة. وكما أن الدائرة الفارغة مصحوبة بالعجين حولها، فكل شر مصحوب بخير أعظم منه. وبدون الشر، لما كنا لنقدّر ونمتدح الخير. ويضيف ليبنتس: قد يكون النقصان في الجزء ضروريًا لكمال الكل. وهذا لأن فهم الناس للشر يساعدهم على معرفة الخير والقيام به. هذا النظام الأفضل يوّلد قدرة على الخير من خلال الشر.
ثم أنّ هناك ضرورة منطقيّة: إن أي تغيير بسيط في النظام المنطقي هو تناقض منطقي، كأن نقول أن ٢+٢ = ٥، لأن كل الأسباب العلمية تؤدي إلى انتشار مرض، فلا يمكن تغيير سبب بدون أن يتغير النسق كله وهذا محال منطقيّا بالنسبة لليبنتس. كما يمكن الإعتقاد بهذه النظرية من دون الضرورة إلى الإيمان بخالق، فالفيلسوف الأمريكي الألماني ريشر مثلًا يعتبر أن هذه النظرة قد تأتي من اقتناع بالسلسلة الطبيعية والسببية في الكون، وفي نظره لا حاجة إلى الإيمان بخالق.
تعرّض ليبنتس لانتقاد قوي. فانتقد ڤولتير الفيلسوف الفرنسي هذه الفكرة بشدة وسخر من ليبنتس عبر تمثيله بشخصية د. پانگلوس، الذي يردد "أفضل العوالم" بخوف متى ما حصلت كوارث. يعتبر ڤولتير هذا التفاؤل بدون أرضية صلبة، فإن كمية الشر في العالم أكثر بكثير من أن تعلل وجود أفضل العوالم. ثم يقول الفيلسوف المسيحي ألڤن پلانتينگوا طالما أننا قادرون على تخيل عالم أفضل فلا يمكن أن يكون هذا أفضل العوالم. ويعتبر برتراند رسل أن ليبنتس نفسه كان مترددًا وخائفًا عند كتابة هذه الأفكار… ثم أقول أنا: لم يثبت لنا ليبنتس لماذا لا يمكن منطقيّا أن يوجد عالم لو أفضل قليلًا، كأن يكون المرض أقل تفشيًّا. من الصعب أن يجزم بإستحالة وجود عالم أفضل بقليل.
ختامًا، قدّم كل من هؤلاء نظريات تدعو إلى التفاؤل بشكل أو بآخر، متخذين من أمور مختلفة حجج لهم، كالأخلاق والإيمان والعلم. والهدف كله واحد: أن نعتقد بوجود خير ونتفاءل به، فنجده. وأنا رأيي أنه لا يهم منطلقنا في التفاؤل، فهو يطلب بذاته، ولفوائده. إذ يخبرنا علم النفس أن التفاؤل يساعد النفسية ويحمي من الاكتئاب. ليس بالضرورة أن نثبت ضرورة التفاؤل لنعرف أن الكمالية (perfectionism) والتشاؤم يضران الفرد حين لا يستطيع تقبل الفشل ويخسر المحفز على عمله. ولكن التفاؤل يشجع المرء على المتابعة والسعي دون الحاجة إلى النجاح فالمتفائل هو مصدر أمله وهو الذي يحفز نفسه. ثم أننا كلنا نعرف قول الشاعر: كن جميلًا (أي متفائلًا) ترَ الوجود جميلًا.