احتفلت جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وعلى عادتها في التاسع عشر من آذار بعيد شفعها القدّيس يوسف، فأحيت مساء يوم الجمعة قداسًا احتفل به رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ مع عدد من الآباء اليسوعيين وفي مقدمتهم الأب مخايل زمّيط، الرئيس الإقليميّ للرهبنة اليسوعيّة في الشرق الأدنى والمغرب، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، ونواب رئيس الجامعة والمديرين والعمداء، وذلك في كنيسة حرم العلوم والتنكولوجيا-ماروكز، الدكوانه. بعد القداس ألقى رئيس الجامعة خطابه السنويّ وحمل هذا العام عنوان: "من أجل أن يعيش لبنان الغد: صمود الجامعة". ومراعاة للإجراءات التي فرضتها جائحة كورونا تمّ نُقل الاحتفال والخطاب بالبث المباشر وسائل التواصل الاجتماعيّ الرسميّة الخاصّة بالجامعة.
تأتي كلمة دكّاش هذه السنة وسط تحدّيات وصعوبات لم يسبق للجامعة أن عاشتها، وظروف استثنائيّة توقف عليها بداءً من "الشفاء بواسطة التضامن" إثر جريمة انفجار مرفأ بيروت إذ قال: "لم تتردّد جامعة القدّيس يوسف في بيروت، من خلال أسرتها التعليميّة والطلابيّة، وكذلك من خلال مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" Hôtel-Dieu de France ، في أن تكون في الطليعة من أجل تقديم المساعدة لشعبنا المتضرّر من جرّاء الأزمات والجرائم التي يرزح تحت وطأتها؛ اليوم، كما في الأمس، سنكون في الصفوف الأماميّة من أجل التعبير عن تضامننا بالأفعال وليس بالكلمات فقط"، وتابع قائلاً:" واجبُنا أن نكون مع شعبنا، نحن الذين دمّرتنا الجريمة، ويجب أن نطالب بالحقيقة لأنّ الحقيقة حقٌّ من حقوق الإنسان التي لا تتزعزع . واجبُنا أن نفكّر اليوم في عائلاتنا الثكلى، وكذلك في جرحى شعبنا وانهياره بسبب الجائحةِ، وعواقبِ الانفجار في مرفأ بيروت الذي يثقل ضميرنا حتّى يستيقظ ويصحو، وحتّى لا يغمر النسيانُ شهداءَنا".
القسم الأول من الخطاب جاء بعنوان "مثال القدّيس يوسف الذي لا يتزعزع: سَنة مقدّسة" مذكّرًا بإعلان قداسة البابا فرنسيس "تكريسَ "سنة مخصّصة للقدّيس يوسف" التي بدأت في ٨ كانون الأوّل (ديسمبر) ٢٠٢٠ وتستمرّ حتّى ٨ كانون الأوّل (ديسمبر) ٢٠٢١. واستاعد ما كتبه الأب الأقدس عن ذلك خصوصًا ، أعتقِد أن القدّيس يوسف هو حقًا شفيع مميَّز لكلّ أولئك الذين يجب أن يغادروا أرضهم بسبب الحروب، والكراهية، والاضطهاد، والبؤس". "كلّ محتاج، وكلّ فقير، وكلّ من يعاني الألم، وكلّ محتضر، وكلّ غريب، وكلّ سجين، وكلّ مريض هو" الطفل "الذي يستمرّ يوسف في الدفاع عنه"، ومنه، نتعّلم أن "نحبّ كنيسة الفقراء". وأضاف: "، أشار الإرشاد الرسوليّ "بإعادة اكتشاف قيمة العمل وأهميتّه وضرورته من أجل إعطاء الحياة "طبيعة" "جديدة لا يُستثنى منها أحد." وبِذلك، يَدين القديسُ يوسف كلَّ السياسيّين الذين يتصرَّفون بوَعيٍ أو بغَير وعْي، لتَدمير وسائلِ العمل ودفعِ الناسِ إلى البطالة. في ظلِّ تفاقُم جائحة كوفيد-19، يدعو البابا فرنسيس إلى "مراجعة أولويّاتنا" حتّى نتمكّن من الالتزام بالقول: "يجب أن لا يبقى شابّ، ولا شخص، ولا أُسرة بلا عمل!".
وتحت عنوان انعدام الأخلاق في صميم الأزمة قال: "عندما اخترنا، في الجامعة، شجرة البانيان، وهي مشتقّة من شجرة الكينا، كرمز لشعار جامعة القدّيس يوسف، كان هدفنا هو إيصال الرسالة الآتية: هذه الشجرة المغروسة في الحديقة النباتيّة في الحرم الجامعيّ للعلوم الطبيّة في قلب بيروت، تتوغّل جذورها العميقة في الأرض لتنمو وتكبر ... إلى ما لا نهاية، هي على صورة جامعة القدّيس يوسف في بيروت، والمتجذّرة في الأرض اللبنانيّة لتزهر، منذ العام 1875، قيمًا فكريّة من العلم والمهارات، وقيمًا إنسانيّة وروحيّة قوامها الثقة، واحترام الآخر المختلف، والمواطَنة والشعور بالانتماء إلى هذا البلد الذي أصبح دولة منذ العام 1920.اليوم، ليست أزمة الوباء والكارثة السياسيّة والأخلاقيّة والماليّة المعقّدة هي التي تُعَقِّد مدَّ جذورنا بالزخم الحيويّ. يقول كلّ منظّري الكوارث: إنّ انعدام الأخلاق، الواعي أو اللاواعي، الفرديّ والجماعيّ، هو الذي يُعتَبَر في أساس الأزمات التي تهزّ المجتمعات والأوطان. في بلدنا، هناك ارتهان الدولة للمصالح الخاصّة والحزبيّة المتنوّعة، باسْم الطائفة التي تسيطر ولكن ليس من أجل إسعاد المجتمع، وهناك عهد الإفلات من العقاب. قالت ثورة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) بصوت عالٍ: إنّ مجتمعنا يحتاج إلى الأخلاق، ولا توجد أخلاق بدون عقاب. هذا الوضع يُغرقنا في الكارثة التي تتطوّر وتتساقط وتتدحرج حتى تمسّ طاقتنا الثقافية الممثَّلة، في لبنان، من طريق المؤسّسات الثقافيّة المتمثِّلة في التعليم الابتدائيّ والثانويّ، ثمّ بعد ذلك من طريق التعليم العالي اللبنانيّ. من مظاهر هذه الكارثة التي تهدّد الجامعة، ليس جامعتنا فقط، في وجودها، رحيلُ الشباب الجماعيّ نحو بلاد أخرى، بسبب انعدام الثقة في بلدهم، وبعضهم لم تعد تتوافر لهم وسائل تمويل دراستهم؛ لا في لبنان ولا في الخارج"، مبديًا خشيته من الوصول من "أن تؤدّي سلسلة الأحداث إلى ظهور "جيل ضائع"، وهذا يؤدّي إلى "جامعة تفتقر إلى قواها الحيويّة"، مؤكّدًا أن "وحْدَه التضامن الاجتماعيّ الذي تنظّمه هيئات غير حكوميّة وأشخاصٌ نزيهون وذوو نيّاتٍ حسنة، أُسوةً بمجموعات من طلاّب ومعلّمي جامعة القدّيس يوسف، وحْده هذا التضامنُ استطاع ويستطيع إنقاذ العديد من اللبنانيّين من هذه الجريمة المستمرّة. وأضاف: دعم "موارد الجامعة الآخذة في التناقص، ودعْوتُنا للتضامن هو رهان على المستقبل، لأنّ خطر فقدانِ جيل الشباب يهدّدنا. (...)رأس المال البشريّ للبلد بأكمله هو الذي يغادر.
وتابع: "أتوَجّه إلى جميع القادة السياسيّين في بلدنا: لدى كلّ شابّ لبنانيّ مشروعُ موهبةٍ لا ينبغي أن يضيع. في الوقت الذي يتحدّث فيه العالم عن تنشئة مهارات الغد، فإنّ المواهب المتنوّعة في الهندسة، المهندسين، والأطبّاء، والمحامين، والأدباء، يحرّضهم سياسيّو بلدنا على الفرار من بلادهم! حان الوقت لكَي يستيقظ ضميركم! تحمّلوا مسؤوليّاتكم كي تنقذوا بلادنا، وإلا فستُعانون، كما يكرّر البطريرك الراعي، حكْمَ محكمة التاريخ!"
شروط وجود لبنان في مئويّته الثانية
في القسم الثاني من الكلمة وحمل عنوان شروط وجود لبنان في مئويّته الثانية، قال دكّاش: "صحيح أنّ النظام السياسيّ اللبنانيّ يجب أن يتطوّر، إلاّ أنّ دَورنا كجامعة هو تشجيع تحوُّل العقليّات للوصول إلى إجماع بين اللبنانيّين حول تشكيل لبنان الآتي. الحوار السياسيّ الداخليّ، الحقيقيّ والمستمرّ، ليس خِيارًا من بين العديد من الخيارات؛ إنّه متطابق اليوم مع طبيعة وجود دول تعدُّديّة مثلِ دولة لبنان الكبير، في ضوء تنوُّع الجماعات وتطوُّرها التاريخيّ. العجز عن إقامة حوار، يعني أنّ جماعةً ما تسعى إلى فرض إرادتها على مُجمل الوطن، أو تسعى إلى عزل نفسها عن الآخرين، وهو الأمر الذي يهدّد الميثاق الوطنيّ ووجودَ لبنان كقيمة مطلقة. سيَتعيّن على هذا الحوار معالجة القضايا الشائكة، مع الحفاظ على مصلحة اللبنانيّين وحدَها ورَفاهِهم ومستقبلهم". وذكّر بفكر البطريرك الحويك فقال: "في فكر البطريرك حويّك، يؤسّس الميثاق الوطنيّ السياسيّ. وهذا الميثاق، من حيث التعايش، يُنشئ الدولة ونظامها السياسيّ والبرلمانيّ المعنيَّ بإقامة الحريّات والعدالة للجميع. كلّما تعطّلت الدولة بسبب قانون الأحزاب التي تتلاعب بالجماعات، فإنّ العيش معًا والميثاقين الاجتماعيّ والسياسيّ تتضرّر كلُّها معًا، ووجود لبنان هو الذي يجد نفسه مهدَّدًا". وأضاف: " ما هو في أساس هذه الثلاثيّة، هو إرادة المواطَنة التي يتمتّع بها كلّ فرد في المشاركة الكاملة في إدارة البلد؛ إنّها ليست الجغرافيا، ولا العدد، ولا الانتماء إلى بلد غير لبنان، ولا الدين. العدد هو قيمة دلاليّة، لكنّه ليس أبدًا قيمة وطنيّة. هذه الإرادة هي في أساس الوحدة الوطنيّة اللبنانيّة وليست الإرادات الفيدراليّة أو الانفصاليّة، بحيث إنّ أيَّ انتهاك لهذه الإرادة هو انتهاك لوجود لبنان بذاته. نحن نخدع أنفسَنا عندما نستمرّ في إدارة الشؤون العامّة على أساس طائفيّ معهود، إلى سياسيّين يجعلون منّا زبائن وليس مواطنين أحرارًا. يجب أن تتمّ هذه الإدارة من خلال سيادة دولة القانون القائمة على أساس نظام الحقوق والقانون. يتمّ تكريم الإنسان الحرّ الذي نوَدّ تنشئتَه في الجامعة، من طريق المواطنة القائمة على أساس هذا القانون العامّ، وليس على الهويّة الدينيّة، والثقافيّة، والإتنيّة أو العرقيّة".
وتابع دكّاش بالقول: "لبنانُ الرسالةُ في خطر جِدّي دفع البطريركَ بشارة الراعي للدعوة الى "عدم السكوت" من أجل تحرير "الدولة من كلّ من يشلّ مؤسّساتها". فكيف لا نؤيّد هذه الدعوة التي "تؤكّد استقرار لبنان وهويّته، وسيادة حدوده، وتمسُّكه بالحريّة، والمساواة والحِياد"، بدعم "الجيش اللبنانيّ، الوحيد القادر على الدفاع عن لبنان. مع الأخذ في الاعتبار بهذا المُعطى، فإنّ أيَّ إصلاح للدولة والنظام السياسيّ، يجب أن يوجِّه لبنانَ نحو المزيد من المواطَنة والانتماء إلى الشموليّة، أكثر من الانتماء إلى التفرّد الذي تحتفظ به أيديولوجيّة أجنبيّة، وإلاّ فإنّ بلادنا ستبقى غير قابلة للحُكم، وسيَتمّ تسليمها مرّة أُخرى إلى الحرب الأهليّة. فلْيسعَ مَن يطالبون بتعديلات دستوريّة إلى تحسين أداء دولة المواطنين، وعدم توسيع سلطتهم في إدارة الدولة على حساب طرف آخر أو أيِّ حيّزٍ آخَر. نحن نرفض أيَّ بحثٍ عن المزيد من السلطة الممنوحة لهذا الطرف أو ذاك، ممّا يؤدّي إلى تدمير أُسسِ العيش معًا، أو الذهاب إلى لامركزيّةٍ سياسيّة واسعة، أو تقسيم البلاد".
وخَلُصَ إلى القول: إن لم تبنِ الدولةُ نفسَها مع أفضلِ المهارات، من دون تمييز بين الانتماء الدينيّ والانتماء الحزبيّ؛ بتعبيرٍ آخرَ، مع مواطنين يعترفون بأنفُسهم كَمواطنين لبنانيّين. نحن نواصل النضال من أجل أن يُعيد جيلٌ جديد من السياسيّين، بناءَ دولةِ لبنانَ الكبير".
تحدّيات الجامعة الثلاثة
في القسم الثالث من خطابه تحدّث عن التحدّيات التي تواجهها الجامعة فقال: "جامعتنا، ليست في لبنان فقط، ولكنّها قبل كلّ شيء جامعةٌ من أجل لبنان القرن الحادي والعشرين كما كانت دائمًا. إنّها جامعة من أجل لبنان وليست في لبنان فقط. إنّها جامعة لا تُقاس برقم يحدِّد أعمالَها ولا بعَددِها، بل بالأهداف التي لطالما تخلّلت حياتها ووجّهت عملها، سواء قبل العام 1975 أو بعد ذلك التاريخ. بتعبير آخر، هي ترغب في أن تكون في خدمة لبنان التعدديّ هذا، ولكنّه موحّد، ولبنان المنفتح ثقافيًّا على العالم، ولكنّه متجذّر في رسالته، وحرّيته وتعلّقه بالقيم الإنسانيّة، ولبنان المواهب والمهارات".بالتالي، فإنّ جامعتنا إنسانيّة ومتضامنة دائمًا من أجل بناء الإنسان فينا، من أجل طلاّبها وكلّ أُسْرتها، وإلاّ فلن تكون جامعة يسوعيّة".
من أجل التميّز المهنيّ والأخلاقيّ
تحت هذا العنوان قال دكّاش في خطابه": نريد الآنَ أكثر من أي وقت مضى، وفي صميم الأزمة وتحدّي هذه الأزمة، أن تستمرّ جامعتنا بكَونها مرجعيّة في التميُّز فيما يتعلّق بالتعليم الجامعيّ. في التصنيفات الدوليّة، نحن فخورون بأن يتمّ ذِكرُ جامعتنا كواحدة من أفضل الجامعات في المنطقة، في مجال تنشئة الشباب الموكَلين إلينا.إذا حصلتِ الجامعة بمُجملها وبعض مؤسّساتها على اعتماد ضمان الجودة، فإنّ ثقافة الجودة كمطلب وطنيّ ودوليّ، تظلّ هدفًا يجب تعزيزه على المستويَين الفرديّ والجماعيّ، وذلك بروح "الأفضل والمَزيد" بحسَب النهج الإغناطيّ". وأضاف: "جامعتُنا المتأهّبة دائمًا لخدمة التميّز، تتعلّم دروس الأزمة الصحيّة والاقتصاديّة الناتجة من الوَباء: ينصبّ التركيز اليوم وغدًا على التدريب والابتكار والبحث فيما يتعلّق بالتنمية المستدامة، والتعليم الرقميّ، والابتكار في التقنيّات الجديدة للتدريس والعمل عن بُعد، وهي تحتلّ مركز نشاطها. سوف يكون واجبًا على الجامعة أن تعمل أكثرَ فأكثر على تِـقْنيّات التعاقد ضدّ المعلومات المضلّلة، وإعادة تأهيل النقاش العامّ، ومِن ثَمَّ الاهتمامُ المتزايد بالنَّدوات والمنتدَيات عبْر الإنترنت". معتبرًا أنه "يجب على الجامعات العالميّة أن تواجه المستقبل من خلال ابتكارِ مصادرِ تمويلٍ جديدة مثل التدريب الرقميّ. لقد أغرقَتنا جائحةُ الكورونا، لا في صميم التعليم عن بُعد والعمل عن بُعدٍ فحسْبُ، ولكن في العلاقة القائمة أيضًا بين القيود وفوائد العالم الافتراضيّ من ناحيةٍ، والوجودِ الحضوريّ من ناحية أُخرى. يضعُنا هذا التقرير أمام التعليم والتعلّم المُدْمجَين اللذَين يفتحان الجامعة على انتقالٍ رقميّ، إلى آفاق لم تكن معروفة بالأمس، وإلى إعادة تشكيل طبيعة الحرم الجامعيّ الذي تمّت إزاحتُه عن طبيعته الجغرافيّة والماديّة. من هنا، فإنّ اتّحاد الجامعات في لبنان ملتزِم ومعْنيّ بمشاريع قوانين مثل قانون التعليم عن بُعد، وضمان الجودة على المستوى الوطنيّ. لن تسمح المؤسّسة - التي تهتمّ بمستوى الشهادات التي يجب أن تقدّمها الجامعات لتجّار المعابد - بنشر الشهادات التي لا تتمتّع بعمق أكاديميّ مؤكَّد. حتّى في خضَمّ الأزمة، هدفُنا أن يكون كلُّ دبلوم قيمةً مضافة لحاملها ولِصورة بلدِنا".
الجامعة التي تتمتّع بالمواطَنة والتفاؤل
سَوف تكون جامعتنا الأساسَ الذي تُبنى عليه المواطَنة اللبنانيّة، أو لن تكون حقًّا جامعة تحترم طبيعتها، وهي التي تبغي، في قلب التعدديّة اللبنانيّة، تخطّي الانكفاء الذاتيّ الطائفيّ، وتحريم استخدام الدين كأداة هلاك أو تلاعُبٍ بالمشاعر والمقدّسات الخاصّة بكلّ فرد؛ تُعتَبَر التنشئة على المواطنة بالنسبة إلينا جميعًا، كمعلّمين وطلاب وإداريّين وحتّى الخرّيجين القدامى، جزءًا لا يتجزّأ من مهمّة جامعة القدّيس يوسف، كما حدّدها ميثاقها في المادّتين الرابعة والخامسة. تفترض التنشئة على المواطنة اللبنانيّة تدريبًا على القيادة والخِطاب الحُرّ والنقديّ والمسؤول، ومهارات احترام الغيريّة، والموقف الديمقراطيّ، والاختيار الحرّ، والعدالة والقيم الإنسانيّة والروحيّة، وهي تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من مشروع التميّز الذي تسعى إليه الجامعة. تسعى هذه التنشئة إلى أن تكون ردًّا على العنف الذي حدث عدّة مرّات في حرم أو آخرَ من أحرام جامعة القدّيس يوسف، أو ببساطةٍ على شبكات التواصل الاجتماعيّ".
وأعلن: "نُطلق في أقرب وقت ممكن أكاديميّةً للتدريب على المواطَنة، سيَتوافر لها إطارٌ مَرجِعيّ صارم وبرنامجُها المفاهيميّ والعمليّ المتماسك، ولكنّها ستستمدّ مقرّراتها وأنشطتها بشكل أساسيّ، ممّا هو موجود بوَفرة في مجال التنشئة على المواطَنة داخلَ جامعة القدّيس يوسف، من طريق تسليحها بالأدوات المناسبة من أجل إدارة غير عنيفة للنزاعات. في الوقت نفسه، نحن نواصل عرض ثقافة حقوق الإنسان وواجباته والمواطَنة لكلّ طالب من طلاّبنا. أنا على يقينٍ أنّ هذه المبادرة ستكون قيمة مُضافة لصورة الجامعة على المستويَين اللبنانيّ والدوليّ".
وأشار إلى أن الجامعة: "تقوم بتنفيذ عمليّة Rise to Bloom، "ننمو لنزهر"، والهدف منها هو استعادة طاقتنا التي ضربَتها الأحداث بأشكال مختلفة لنوَجِّهها نحو فِرَقنا التعليميّة والإداريّة، وكذلك الأمر، نحو طلاّبنا".
وختم مذكّرا برسالة البابا فقال: "رسالة فرنسيس بسيطة: الحوار ليس تبادُلًا بهدف بناء توليفة عقائديّة، نوعًا من التسوية العقائديّة غير الملائمة. هذا الحوار ضروريّ من أجل قبول بعضِنا بعضًا كمُختلِفين، كمتعارضين في نقاط العقيدة. لا تكفي معرفةُ ما هو مشترَك وما هو مختلِف بين الأطراف المعنيّة للسير في اتّجاه التكامل أو في اتّجاه القطيعة. لا بدّ من المضيّ أبْعدَ من ذلك، ومساءلةِ الاختلاف من أجل أن نستخلص منه ما يمكن أن يُثري الطرفَين، مثل مفهومَيِ المواطَنة والأُخوّة. صحيح أنّ العقيدة ليست هي نفسها: لا لدى الكاثوليك ولا لدى المسلمين. لكن قبول الاختلاف هذا، المستنير بمعرفة الآخر، هو حجَر الزاوية في "العيش معًا" والمواطَنةِ والوَلاءِ للوطن". وأضاف: "يمكن لمسيحييّ الشرق، بل عليهم أن يفخروا برؤية البابا فرنسيس يريهم طريق شهادتهم ورسالة لبنان. ألم يقُل هذه الكلمات التي تحاكينا في العمق: "لبنان رسالة، لبنان يعاني آلامًا مبرِّحة، إلا أنّ لبنان يمثّل أكثر من توازُن قُوى، لبنان يعاني ضعفًا يسبّبه تنوّعٌ سياسيّ لم يتصالح مع نفسه، لكنّه يمتلك قوّةَ الشعب الذي تَصالَح مع نفسه، قوّةً توازي قوّة أرز لبنان".